تجتاح العالم بلا استثناء موجة تضخم عالية لم يشهد لها مثيل منذ عقود، هذه الموجة أثرت على المواطنين وقدرتهم الشرائية، وبالتالي فإن الاستياء الشعبي من ارتفاع الأسعار وغلاء السلع هو الطبيعي، مما ينتج عنه تذمر وتحميل مسؤولية هذا الغلاء تارة الحكومات وتارة التجار، ويلجأ الفرد إلى تقليل مصروفاته وأحياناً يطالب بمقاطعة هذه الشركة أو تلك.
الملفت أن مجتمعاتنا يقل فيها الحديث عن تفاصيل التضخم وتوضيح أسبابه، وأحياناً تكون مسؤولية التقصير مشتركة بين الجهات الرسمية والإعلامية في توضيح الأسباب وتبيان الإجراءات وشرح الخطوات القادمة، وتتبع أن تصاعد التضخم الحالي هو نتيجة طبيعية لسلسلة من الأحداث العالمية التي أنتجت لنا حالة اقتصادية فريدة من نوعها، وربما مفاجئة في بعض التفاصيل.
فارتفاع النفط على سبيل المثال كان يتم التحذير منه منذ سنوات بسبب ضعف الاستثمارات في التنقيب والتكرير، ثم جاء التحول المتهور للطاقة النظيفة واستباق الكثير من الخطوات في هذا الشأن، تلاها الطلب العالي بعد تخفيف قيود جائحة كورونا، ثم توجهات الإدارة الأميركية التي ضيّقت على صناعة النفط الأميركية، وزاد الطين بِلة الحرب الأوكرانية والعقوبات على روسيا، تخيّل أن هذه الأسباب العريضة ولم ندخل في التفاصيل بعد!
الحديث عن النفط وتبعات ارتفاعه يقاس عليه بقية القطاعات والسلع، والتي تأثرت تأثراً مباشراً بجائحة كورونا والإغلاقات التي صاحبتها، ثم الطلب العالي والشراهة عليه، ناهيك عن الفائدة المنخفضة، والسيولة التي طرحت في الأسواق لدفع الاقتصاد، ومبالغ إعانة الشركات لتجاوز آثار الجائحة والحفاظ عليها من الانهيار، ومعالجة انخفاض دخل الأفراد والبطالة بدفع الإعانات والمنح المالية.
وبلا شك أيضاً أننا نمر بمرحلة تحول جيوسياسية، وصراعات عالمية، بدأ يُستخدم فيها الاقتصاد كسلاح، ويتم استغلال وضعه الحرج لدفع كل طرف عن مصالح الآخر، فمثلاً الغرب يفرض 6000 عقوبة على روسيا رغم انعكاس جزء كبير منها على الاقتصاد الأوروبي، وروسيا تغلق المواني الأوكرانية رداً عليها رغم أنه يؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي العالمي، والصين في طريقها لمحاصرة تايوان أكبر منتج للرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، وتوتر في الخليج بسبب تعنت النظام في طهران حول برنامجه النووي، ومشكلات مناخية تتعلق في موجات الحر والجفاف وغيرها، الكثير الكثير من الأسباب تكالبت لنشاهد هذا الارتفاع المهول في الأسعار.
ونحن ولله الحمد في المنطقة نعتبر الأقل تأثراً ومن الأقل في نسب التضخم، ولدينا حكومات حكيمة وشعب واعٍ، إلا أننا ما زلنا نحتاج تحركا أكبر إعلامياً لتغطية هذه الجوانب، وعدم ترك فرص للمتربصين لاستغلالها.




http://www.alriyadh.com/1967089]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]