كان - صلى الله عليه وآله وسلم - عظيماً في خُلُقه {وإنك لعلى خلق عظيم}، عظيماً في رحمته، {بالمؤمنين رؤوف رحيم}، {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، عظيماً في تيسيره وسماحته وتعاملاته {يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}..
أحدثكم اليوم في عجالة لا تليق بعظمة المتحدث عنه، والحديث عنه لا ينقطع، فهو بحر لا ساحل له، ونهر لا ينفك يجري، تتجدد مياهه في كل لحظة، وتنقل الحياة التي ربطها الله بالماء «وجعلنا من الماء كل شيء حي» إلى الأرض الهامدة فإذا هي قد «اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج».
ولا جرم، فحبيبنا - صلى الله عليه وآله وسلم - كان غيثا أغاث الله به الحياة، بعد أن مقت الأحياء فيها عربهم وعجمهم، فعبر عنه بقوله «هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم» فكأنه يشير إلى دبيب الحياة فيهم ببعثته صلوات الله وسلامه عليه، مصداقا لقوله جل في علاه «أومن كان ميتاً فأحييناه، وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس».
ونبينا نور ورحمة، وقد قال تعالى «وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا» فهو النور والرحمة جاءت تحمل الروح لمن أراد الحياة، ومن عمي عن إبصار النور، ولم يسلك طريق الرحمة، فإن مصيره لا يخفى على المتقين.
سنبحر اليوم حديثا عن عظمته صلوات الله وسلامه عليه، إذ كان عظيما في خُلُقه «وإنك لعلى خلق عظيم»، عظيما في رحمته، «بالمؤمنين رؤوف رحيم»، «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» عظيما في تيسيره وسماحته وتعاملاته «يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم»، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه ترك الأمر بالسواك حتى لا يشق علينا، وترك قيام الليل في الجماعة خشية أن تفرض علينا.
كان عظيما في تواضعه، ومن قرأ سيرته صلى الله عليه وآله وسلم وجد ذلك بينا لا عناء في رؤيته، فقد كان الغريب يدخل مجلسه صلى الله عليه وآله وسلم فيسأل: أيكم محمد؟ إذ لم يكن يتميز عن أصحابه بلباس ولا بعرش أو كرسي، ولا بمظهر من مظاهر التميز، بل حتى في مشيته كان بعيدا عن التبختر والخيلاء، فكان يمشي قلعا، سريع الخطوة، كأنما تطوى له الأرض، وكان ينام على الحصير، ويتوسد وسادة من أدَم حشوها ليف!، وحج على رحل رث، وقطيفة تسوى أربعة دراهم، أو لا تسوى، ثم قال: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة.
كان عظيما في تعاملاته مع أهله وأزواجه، فلم يخالف قوله «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، فكان في بيته كأي أحد من الناس، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويكون في حاجة أهله، حتى يسمع الأذان.
ومن خبر تعامله أنه خرج على أصحابه في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم فوضعه عند قدمه اليمنى، ثم كبر للصلاة، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال شداد الليثي - راوي الحديث -: فرفعت رأسي من بين الناس فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قضى الصلاة قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك هذه سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: "كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجِّله حتى يقضي حاجته".
حين نتحدث عن عظمته صلى الله عليه وآله وسلم، فإنا لا نبالغ، وليس الحديث نابعا عن محبة مجردة عن الدليل، فقد اتفق الناس على أن عين الرضا عن كل عيب كليلة، ومن هنا فإنك لو نظرت إلى حياته صلى الله عليه وآله وسلم بعين السخط فإنها أيضا سترتد خاسرة لا تجد ما تعيبه، إذ كمل في خلقه وخلقه، صلوات الله وسلامه عليه، وعظم حتى كلت أبصار أعدائه عن أن تجد فيه ما يمكن أن يكون عيبا! ولعل في الحديث عن عظمته صلوات الله وسلامه عليه بقية نستكملها في الأسبوع القادم، إن شاء الله.. هذا، والله من وراء القصد.
http://www.alriyadh.com/1981081]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]