ليس غريباً أن يحظى الإنفاق الاستهلاكي بأهمية استثنائية خاصة، فهو قاطرة النمو للطلب المحلي، لكنه يختلف أيضاً من دولة لأخرى بحسب متانة الاقتصاد والقوة الشرائية وتوقعات المستهلكين، ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، والتي تعد أكبر اقتصاد عالمي، يشكل هذا الإنفاق أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي، ويظل محركاً للصمود في مواجهة إعصاري الفائدة والتضخم، أما في ألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي، فإن غالبية الألمان قلقين من الركود، ولهذا، يقومون بتقييد إنفاقهم واللجوء إلى بدائل، بينما في السعودية، أكبر اقتصاد عربي، يسجل إنفاق المستهلكين نمواً كبيراً، وقد يتجاوز تريليون ريال بنهاية العام الجاري، بمتوسط إنفاق شهري 95 مليار ريال.
تظهر قياسات نبض المستهلكين المتوترين أنهم يمارسون سلوكيات شرائية جديدة تحت ضغط مطرقة الوباء وسندان التضخم، ومعظم هؤلاء عاود سلوكياته الشرائية القديمة، والمهم، أنهم أصبحوا أكثر استعداداً للتخلي عن علاماتهم التجارية المفضلة لصالح علامات أخرى تقدم قيمة مضافة أو ابتكارًا، والواقع، أن مشاعر الزبائن وسلوكياتهم في تطور مستمر منذ الجائحة وحتى الغزو الروسي لأوكرانيا، وهما حدثان مثلا صدمة هائلة لسلاسل الإمدادات، وسلطا الضوء على قوة تأثير التطورات الصحية والجيوسياسية على نظرة المستهلكين، ومن المهم، أن تبقى الشركات التجارية متيقظة إزاء هذا الانقلاب السلوكي.
لا يمكن الفصل التام بين شرائح المستهلكين في وضع عالمي متأزم، فحتى عند التعامل مع ذوي الدخل المرتفع، فإن الأمر يحتاج من الشركات التركيز على معادل القيمة الأكثر إقناعاً للزبائن المتميزين مالياً، حتى تضمن استمرارهم في الإنفاق المعتاد، دون أن يتغير ولائهم إلى الشركات المنافسة، ويمكن القول، بأن عام 2022 كان شاهداً حياً على تحول المزيد من المستهلكين إلى علامات تجارية وتجار تجزئة مختلفين أكثر من أي وقت مضى منذ الجائحة.
لكن الأخطر، هو أن معظم الزبائن يعتزمون دمج سلوك تغيير الولاءات في روتينهم اليومي بحسب القيمة والمتعة، ويأتي السعر على رأس قائمة دوافع المستهلكين للتبديل من بائع إلى آخر، أما القيمة الثانية فهي وفرة المخزون السلعي، والتي كانت سببًا كبيرًا للتغيير بين العلامات التجارية في عامي2020 و2021، فعندما لم تستطع بعض الشركات مواكبة الطلب القوي، ولم تتوفر المنتجات دائمًا في مخازنهم، تحول المستهلكون للشراء من منافسيهم، في الوقت الذي ازدادت فيه أهمية الابتكار بشكل مطرد، حيث يحرص المستهلكون على تجربة شيء مختلف، مما يجعل الإبداع أمرًا ضروريًا للعلامات التجارية التي ترغب في كسب أو استعادة زبائنها الفارين.
لا يفوتنا هنا، أن نستذكر كيف ازدهرت التجارة الإلكترونية منذ الجائحة، عندما لم يكن لدي الزبائن خيارات كثيرة، ولكن بمرور الوقت، اتضح أن معظم الزبائن يستمتعون بالشراء عبر الإنترنت، وحتى عندما أعيد فتح المتاجر التقليدية، استمر زخم الإنفاق الإلكتروني، وعلى سبيل المثال، فإن سوق الشرق الأوسط للتجارة الإلكترونية مرشحة للنمو إلى 50 مليار دولار بنهاية العام الجاري، ونعتقد أن أكثر الشركات ربحية في العقد القادم ستكون القادرة على تلبية توقعات المستهلكين من حيث القيمة والقيم، ولهذا، يتعين على الشركات زيادة إسهاماتها في قضايا قيمية تخطف أبصار المستهلكين مثل المسؤولية المجتمعية والبيئية والصحية والإنصاف والمساواة والأجور.




http://www.alriyadh.com/1985348]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]