لا شك أن الفقيه سيسلك المسلك المبيح لما أباحه الله، وعند ذلك، فلا مكان للفوضى ولا للعشوائية، فإن كثرة الناس والجماهير تجبر الدول والحكومات على ترتيب لهوهم ولعبهم بما يستفاد منه إيجاباً في كل الجوانب..
في خضم المهرجانات العالمية التي تجمع شعوب العالم ليس إلا للاستمتاع بمواهب الإبداع الرياضي في عالم كرة القدم، وليس هذه المحافل بأول ولا بآخر ما يجمع جماهير العالم في سِلم تشجيعي، تتنفس منه الشعوب ولو برهة من الوقت من هواء السلام والوئام، هناك في عتمة الزوايا، أناس ينظرون إلى ما يجري نظرة ترقب لإيجاد الثغرات التي من خلالها يدخلون لتعميم النقد اللاذع للواقع، ويصورون أن ما يجري هو مما داهم الأمة ويحاول طمس معالمها وتميزها، وما ذاك إلا نتيجة لخطأ تصور الواقع في الإطار المسموح به شرعًا، ولا حرج ولا لوم أن يكون أحدنا زاهدًا ومتحرجًا من مشاركة الناس واقعهم ومباحاتهم، إنما الأمر الأحرى بالمناقشة والسؤال المطروح للإجابة، هو إلى متى نظل بعيدين عن حقيقة التغيير الحتمي المرتبط بالزمان والمكان وتكاثر الإنسان؟
ظهرت في كل عصر من عصور الأمة الإسلامية تطورات وتغيرات ارتبطت بزمانها ومكانها، ووجدت تلك الأزمنة فقهاء وعلماء يستنبطون فقهيات تنظم تلك التغيرات، ولا أدل على ذلك من توسع رقعة الإسلام، وتدوين الحضارة الإسلامية بثقافتها ونظامها وصناعاتها كحضارة فاعلة ومشاركة أساسًا في بناء العالم الحديث، ولعل ما نسمعه هنا وهناك من أسماء ورموز مسلمة، كتب لها البروز كشخصيات عظيمة، في الفيزياء والرياضيات والكيمياء والطب وغيرها؛ هي من أكبر الدلالات على ذهبية تلك العصور التي أنجبت وتربى فيها أولئك، وها نحن اليوم في زمن يكاد أن يكون العلم البشري في تسيير الحياة مرتكزًا أساسياً للقوة والبقاء، كما هو الشأن في الاقتصاد والتجارة، فكل ذلك يحتم علينا النظر لكل ما يجري وخاصة في مثل هذه الأيام بعين الاستفادة من كل ما هو مباح، وأن نغلب تطوير وبناء الأوطان بالمشاركة الإيجابية، فيما يعود عليها بالنفع والاقتصاد طالما الأمر لم يتجاوز المباح، وإن وجدت الإشكاليات التي يختلف فيها المختلفون، فستوجد أيضًا العقليات التي تساهم في الحلول والبدائل، ولا يكون ذلك إلا بتقمص الواقع كحقيقة لم يغفل عنها الشرع، فإنه من المستحيل أن يوجد هكذا ثورة رقمية واقتصادية وإلكترونية وترتبط بحياة الأجيال والأمة ثم لا نجد لها في الفقه والشريعة متسعًا قياسًا على تلك الأصول التي كانت تحدث في ذلك الزمن، أعني زمن تنزيل الوحي على نبينا صلى الله عليه وآله وسلـم، فقد كانت هناك - على قلة الناس، وسهولة الحياة وبساطتها - صور كثيرة جرت عادتهم على الاجتماع عليها واللهو عندها، وإن اختلفت الوسائل، فلكل زمن وسائله، فإن النفر من الحبشة الذين كانوا يلعبون في المسجد بحرابهم، لن يكون بمقدور مثلهم في زمننا أن يقتصر على ما فعلوه، لا عددا ولا مكانا، فإنه لو فتح المجال للعب في مسجد اقتداءً بهم، لخرجت المساجد عمّا بنيت له، وأصبحت دورًا للهو، لكثرة الناس، وكثرة المحبين للهو، وكثرة من يريد أن يلهو، ولذلك من غير الحكمة ولا من التعظيم أن يفعل ذلك في زمننا، إذن، فهل نمنع اللهو واللعب؟ أم نتوسع بتوسع الناس والزمان، ونعطي للهو حكمه الرباني من الجواز، دون تضييق ولا اقتصار على صور يستحيل أن تتحقق في زمننا هذا؟ فلا شك أن الفقيه سيسلك المسلك المبيح لما أباحه الله، وعند ذلك، فلا مكان للفوضى ولا للعشوائية، فإن كثرة الناس والجماهير تجبر الدول والحكومات على ترتيب لهوهم ولعبهم بما يستفاد منه إيجابا في كل الجوانب، ومن الفقه أن نجد لأفعال المسلمين أصولًا نقيس عليها ونصحح أخطاءهم، لا أن نواجه الشعوب والجماهير بالمنع والزجر والنقد في لهو مباح.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1985589]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]