إن ديناميكية أساسيات أسواق النفط من عرض وطلب على المدى القريب تنبئنا بما ستؤول إليه الأسعار على المدى البعيد، هكذا تكون حالة الأسواق الفورية حلقة وصل بين ارتفاع أسعار النفط الآنية (Backwardation) (نقص المعروض حاليا) والأسعار الآجلة أو ارتفاع الأسعار في العقود الآجلة (Contango) (نقص في المعروض مستقبلا). بينما تسييس أسواق النفط تخل بهذه الديناميكية وتجعل من عملية التنبؤ بمستقبل الأسواق شبه مستحيلة، ولها تداعيات سلبية على أداء الأسواق في الحاضر والمستقبل من نقص في الإمدادات وإنفصام في حركة العقود الفورية عن اتجاهات العقود الآجلة لتسود حالة من الضبابية، لهذا تهدد التدخلات السياسية في أسواق النفط أمن الطاقة العالمية وينعكس أثرها على أداء الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات التضخم. فإن تسيس إحصاءات الطاقة وخاصة النفط، كما هو الحال مع إحصاءات وكالة الطاقة الدولية، أفقدها المصداقية وأصبحت في تناقض مع البيانات المبنية على تحليلات اقتصادية بحته، إن هذا التناقض هو اللعب على الوتر الحساس الذي يجيده المضاربون لتحقيق أعلى مكاسب على المدى القصير جدا، مما يرفع معدل المخاطرة في أسواق النفط ويحد من استمرار إمداداتها، كما أن ذلك لا يقل خطرا عما نشرته الصحف العالمية مثل وول استريت وفايننشال تايم من معلومات كاذبة عن زيادة أو تخفيض أوبك+ لإنتاجها قبيل كل اجتماع تعقده المجموعة.
فعندما تحرك أساسيات الأسواق في الأسبوع الماضي، قفز سعر برنت بـ 2.5 % إلى 82.53 دولارا وغرب تكساس بنسبة 2.7 % إلى 78.29 دولارا الأربعاء الماضي، عندما انخفض المخزون التجاري الأميركي بمقدار 5.9 ملايين برميل يوميا في الأسبوع المنتهي في 16 ديسمبر 2022، مقارنة بالأسبوع الذي سبقه، لكنها تراجعت يوم الخميس، بسبب تقلبات مؤشر الدولار المدفوع بارتفاع أسعار الفائدة وانتشار كوفيد في الصين والركود الاقتصادي المتوقع في 2023. وفي الجمعة الماضية، عاد برنت ليرتفع إلى 83.92 دولارا وغرب تكساس إلى 79.56 دولارا، مدفوعة بالعواصف الثلجية في الولايات المتحدة، عطلة نهاية الأسبوع الطويلة لعيد الميلاد ورأس السنة، ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي للربع الثالث من 2.9 ٪ إلى 3.2 ٪ وهو بمثابة إشعار للمتداولين بأن الاقتصاد الأميركي لم يتباطأ، بعد رفع أسعار الفائدة الفيدرالية لعدة مرات، واحتمالية خفض روسيا لإنتاجها بمقدار 500 ألف إلى 700 ألف برميل يوميا.
لقد سجلت "أوبك+" بصماتها في تاريخ توازن أسواق النفط واستقرارها في أصعب الأوقات التي مرت على أسواق النفط، منذ بداية انتشار كوفيد 19 في 20 إبريل 2020 بخفض إنتاجها يـ 9.7 ملايين برميل يوميا بداية من مايو 2020، ومع تلاشي أثر كوفيد 19 في 2021 وانتعاش الطلب على النفط بدأت تعيد رفع إنتاجها تدرجيا، وخلال غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير 2022 استمرت في سياستها برفع إنتاجها، ثم قررت خفض إنتاجها بمليوني برميل يوميا بداية من نوفمبر 2022 إلى نهاية 2023، مع توقعاتها بتراجع الطلب العالمي والذي حدث فعلا، مما يعزز مصداقيتها.
ونتطلع إلى عام جديد وأسواق نفط متوازنة بقيادة "أوبك+" وأن تكون إحصاءات الطاقة أكثر مصداقية بناءً على أساسيات الأسواق دون تشويه وباستقلالية عن السياسة.
وكما قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان "إن ممارسة السياسة بالإحصاءات والتنبؤ وعدم الحفاظ على الموضوعية غالبًا ما تأتي بنتائج عكسية وتؤدي إلى فقدان المصداقية".
http://www.alriyadh.com/1989540]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]