المفروض أن نعمل كسعوديين على إنتاج برامج تحمل هوية برامجية قابلة للتصدير، وبحيث تدخل ضمن صادرات المملكة الثقافية للعالم، ويتم الاستثمار في حقوق تجنيسهــــا لكل دولة، وأن نؤنسن ونـوظف رمضان والمنـــــاسبات الدينيـــــة والوطنية في الدراما..
الإنتاج الدرامي والتلفزيوني العربي يؤجل أعماله المهمة إلى رمضان، ويوجد أشخاص يبدؤون هذا الشهر بوضع برنامج لما سيشاهدونه، وتحديداً على الفضائيات والمنصات الرقمية، والثانية تتقدم أو تتأخر بحسب البلد وسرعة الإنترنت فيه، ولا أعتقد أن المملكة ودول الخليج تواجه مشكلة في هذا الجانب، وهؤلاء يختصرون المسألة في الصيام والقيام، ويتناسون صيام الجوارح والخلوة والتأمل، والمسؤولية يتحملها صناع الأعمال التلفزيونية، لأن الصوم يفرض روتيناً معيناً على الأسر العربية، ويمثل موسماً للاجتماعات والزيارات العائلية، وترتفع فيه ذروة المشاهدة لحدودها القصوى، ما يوفر فرصة للمطالبة بأجور مرتفعة من قبل الممثلين، بالإضافة إلى زيادة الفواصل الإعلانية ومكاسبها، والإقبال على الاشتراك في المنصات الإعلامية الرقمية، والمسألة ببساطة اقتصادية خالصة، وليس هناك مخططات مشبوهة ترضي هوس بعض المشغولين بنظرية المؤامرة، أو بالبنائين الأحرار وحكومة العالم السرية.
دراما رمضان الجاري اشتملت على ما يصل إلى 33 عملاً تلفزيونياً، وهذه الأعمال تم تقديمها من قبل 10 شركات إنتاج، وانتشرت على الفضائيات العربية والمنصات الرقمية المختلفة، وكلفت مليـــارات الدولارات، وتمثل ما نسبته 40 % من إجمالي ما يقدم في كل عام، ولا يدخل فيها البرامج الحوارية أو برامج المسابقات، وغالبيتها تميل إلى التقليد وتكرار الأفكار نفسها، وكأن توليفتها أشبه بخلطة كنتاكي التي لا تقبل إضافات جديدة، ويعتقد بابلو بيكاسو بأن الفنان السيئ يقلد والفنان العظيم يسرق، والسرقة في هذا السياق تأتي بمعني الاقتباس والتطوير، لأن الفن عمل عالمي تراكمي بطبيعته، وبالتالي فالتجريب والحرية الإبداعية المسؤولة مطلوبة دائماً، وما يحدث من نجاحات في أرقام المشاهدات لبعض الدراما العربية، سببه الأول الشهرة السلبية أو الإيجابية لنجم أو نجـــــوم العمل، وكلاهمــــا يعطي التأثير المطلوب، ولا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى جودة العمـــــل، ومن الأمثلة: ما يعرف بأفــــلام المقاولات العربية في السبعينات الميلادية، فقد قامت على الاستثمار التجاري في النجوم، ونجحت على نطاق واسع لفترة مؤقتة.
الأعجب هو كتابة وإخراج النصوص السعودية والخليجية، وأنها تتم بمعرفة كتاب ومخرجين عرب وأجانب بعيدون عن ثقافة المكان وتفاصيل حكاياته وتاريخه، ومن الشواهد (رشاش) و(الميراث) و(ضحايا حلال)، ومن يفعل ذلك يبرر بأن أصحاب الأفكار السعوديين لا يملكون مهارات الكتابة الدراميـــــة، وأن الإخراج عمـــــل تقني لا يعترف بالجنسيــــة، أو مثلمـــا قال أحدهم بتصرف، في مقــــابلة بودكاست عام 2022، وقد طرح عليه سؤال مهم حول تعاون مجموعة (تلفاز 11) الإعلامية لصاحبها مالك نجر مع منصة (نتفليكس) على إنتاج مجموعة أفلام سعودية لصـــــالحها، في ظل وجود منصة عربية متسيــــدة لا ينـــافسها أحــــد وتحتكرها مجموعته، وتفضل عرب الشمال والأجانب في إدارة معظم أعمــــالها السعودية.
إلا أنه لم يقدم إجابة واضحة، وغير مسار الحوار إلى وجهـــة مختلفة، مع تأكيــــده على إنشاء أكاديمية لتنمية المهارات الكتابية عند الشباب السعودي، وأن لديهــــم مبادرات لتغطية النقص الحاصل في المواهب الفنية بسوق الدراما السعودي، ولا أجد تعقيباً مناسباً، والمفروض أن نعمل كسعوديين على إنتاج برامج تحمل هوية برامجية قابلة للتصدير، وبحيث تدخل ضمن صادرات المملكة الثقافية للعالم، ويتم الاستثمار في حقوق تجنيسهــــا لكل دولة، وأن نؤنسن ونـوظف رمضان والمنـــــاسبات الدينيـــــة والوطنية في الدراما، وبأسلوب يشبه ما يفعله الغربيون في أعيادهم ومناسباتهم المختلفة.
الشيء الآخر هو الاستعانة بمؤثري السوشيال ميديا، وذلك في الدراما والبرامج الحوارية الرمضانية، في محاولة مكشوفة لرفع أرقام المشاهدة، والحصول على مردود إعلاني وتسويقي عالٍ، مع أنهم بلا تاريخ أو تأهيل أو تجربة حياتية أو مهنية تستحق الطرح، ولعل في الممارسة استعادة مشابهة لأفلام المقاولات والتهريج القديمة.
الترفيه مطلوب في رمضان وفي غيره، ولكن يجب أن يتم بطريقة مدروسة ومتوازنة، فجرعة الدراما والبرامج الحوارية عالية جداً، والأنسب أن ينتج بجوارها برامج مشابهة لما قدمه المرحوم الشيخ علي الطنطاوي طوال 25 عاماً، أو خلال الفترة ما بين عامي 1976 و1992، والذي يعتبر أطول برنامج عرض في تاريخ التلفزيون السعودي، وحمل اسم (على مائدة الإفطار)، وأنتج منه قرابة 250 حلقة غنية بالمعرفة والمعلومات، تناول فيها الطنطاوي مواضيعه الإسلامية بطريقة مريحة ومحببة ومفهومة، ومعه نسخ مطورة من مسابقة القرآن الكريم للكبار وفوازير رمضان للصغار، وبنفس الهوية البرامجية، ويبقى العزاء في وجود الزميل أحمد
الشقيري، وحضوره المتجدد والمتألق لموسمين في برنامج (سين)، بعد نجاحه في برنامج خواطر طوال 11 موسماً، ما بين عامي 2005 و2015، وقد احتوى برنامجه القديم على رسائل تربوية وأدبية وأخلاقية، وتعامل مع المفاهيم الإسلامية بطريقة معاصرة وعفوية، وأشتــــاق صراحة لدراما دينية هـــادئة وتثقيفية من نوع عمر بن عبدالعزيز، وفانتازيا للأطفال والكبار كـ(ألف ليلة وليلة)، ولعل مسلسل (جت سليمة) الحالي يقدم شكلاً مطوراً للفكرة ذاتها.




http://www.alriyadh.com/2007849]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]