هذا ما تمنحك هو الكتابة، أن تستطيع أن تقرن اسمك باسم عظيمين في جملة واحدة دون أن تطرف عينك، والحقيقة أنني سأتحدث عن تجربة قراءتي لكتاب صوت أبي العلاء الذي كتبه طه حسين في العام 1944. والذي رأيته كتاباً بديعاً، يشرح قصائد أبي العلاء بسرد خالٍ من التعقيد، يقرب إلى الناس قصائد المعري المغرقة في الفلسفة الواقعية الشديدة السوداوية بنظرتها المتشائمة التي لا تستطيع أن ترفضها لكنك لا تريد أن تقبلها بلغة طه حسين الجزلة الفاخرة.
فكرت لو أن معاصراً مثلي، فكر أن يعيد كتابة صوت أبي العلاء، بصوته هو، الآن في هذا الزمن، سيكون أعاد شرح طه حسين لأبي العلاء المعري. فماذا يكون العنوان، صوت طه حسين أم صوت المعري. ربما جربت مقطعاً صغيراً، لن أعيد كتابة الكتاب لكنه أغراني بهذا المقطع،
يقول المعري، أولو الفضل في أوطانهم غرباء، تشذ وتنأى عنهم القرباء
فما سبئوا الراح الكميت للذة، ولا كان منهم للخراد سباء
وحسب الفتى من ذلة العيش أنه، يروح بأدنى القوت وهو حباء
إذا ما خبت نار الشبيبة ساءني، ولو نص لي بين النجوم خباء
ويترجم طه حسين، لله أهل الفضل والعلم ما أجدرهم بالرحمة وأخلقهم بالرثاء. إني لأراهم غرباء في بلادهم، مجفوين من أقاربهم، منبوذين من ذوي معرفتهم. وإني لأرى الفقر قد ضرب عليهم رواقه، وألقى عليهم كلكله، فحرمهم لذة الأغنياء، بسباء الخمر وسبي النساء، وبالغ في إذلالهم والغض من أقدارهم، حتى إن أحدهم لينال أقل القوت وأدنى العيش، فيحسبه عطاء موفوراً، أو نعمة مسبغة عليه. وا أسفاه لنار شبيبتي حين تخبو، فلن أجد عنها سلوة ولا عزاء مهما ترتفع بي المنزلة، ولو نص لي خباء بين النجوم.
وأترجم الترجمة التي لا تحتاج إلى ترجمة ولكنه غرور الكاتب ورغبته في إعادة كتابة ما كتبه العظماء من قبله، أو إلقاء الضوء على ما قيل من قول عظيم من قبل، أقول: أهل الفضل، أهل العلم والقلم والرفعة، غرباء في أوطانهم، منبوذون من أقربائهم، يخيم عليهم الفقر والضنك، لا يرفلون في اللذة التي يغرق فيها أصحاب المال من الخمر المعتق والنساء العذارى. بلغ بهم الحال أن رضوا بأقل القليل وهم قانعون بل ويعتقدون أنهم في نعمة عظيمة. إذا ما انطفأت نار الشباب، لن يغنيني عنها أي عزاء، ولا حتى لو وضعت لي خيمة بين النجوم.
لن أعتذر عما اقترفت يداي، أردت أن أقترب من وهج عظيمين، وقد فعلت.




http://www.alriyadh.com/2013949]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]