لو قُدر للنمو أن يصبح رجلاً، من لحم ودم، لبكى بحرقة من شدة الألم، فالكبار يدهسونه بلا شفقة ولا رحمة، رغم صحته الهزيلة، وجسده المثقل بالأمراض المزمنة، فهو بالكاد يعيش على المسكنات، ولولا أجهزة التنفس الاصطناعي لقضى نحبه، مسكين هذا النمو، فهو يقضي وقته تائهاً بين حروب عسكرية تدمره، ونزاعات تجارية تقتله بالبطيء.. هذا ما يحدث للنمو الاقتصادي على أرض الواقع، ولننظر فقط إلى بند الحروب التجارية، والتي تشكل أخبارها الدرامية كوابيس مفزعة للعاملين في قطاع المال والأعمال، وحتى المستهلكين، وأقرب مثال على ذلك ما حدث هذا الأسبوع لعملاق الرقائق الأميركي «ميكرون تكنولوجي» والذي طرد من السوق الصينية الضخمة شر طرده، في لحظة انتقامية، ومن حق الأميركي أن يبكي على مكاسب مفقودة في الصين بنحو 3.3 مليارات دولار سنوياً.
منحت «موقعة ميكرون تكنولوجي» الصين فرصة ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة، تتيح لشركاتها المحلية فرصة ملأ الفراغ الأميركي، ومن جهة أخرى، تدق إسفيناً بين واشنطن وبين حلفائها، حيث يمكن لشركات دول حليفة سد النقص في سوق ضخمة تستورد رقائق سنوياً بأكثر من 300 مليار دولار، لكن، السؤال الأهم، يدور حول كيفية استجابة حلفاء واشنطن، وعلى سبيل المثال، كوريا الجنوبية التي تتمتع شركتيها «سامسونج»، و»هاينكس» بالقدرة على سد عجز الرقائق في الصين، لكنها حائرة بين أمرين كلاهما مر، فإما انتهاز الفرصة، واقتناص حصص سوقية مهمة، مما يعني إغضاب واشنطن، وإما الامتناع عن التوريدات المربحة، وهذا يعني إغضاب بكين، ومهما كان الأمر، سيظل الصينيون معتمدون بشكل كبير على الأميركيين في هذا القطاع الحيوي، ونعتقد أن الهدف الأساسي هو تقليم أظافر الشركات الأمريكية، حتى يتمكن الصينيون من تعزيز التعاون التكنولوجي معهم بشكل متوازن.
أشعلت العراقيل الغربية، حماسة الصينيين للاعتماد على أنفسهم، وتقليص الانكشاف على التكنولوجيا الأجنبية، حتى أن الرئيس الصيني، شي جين بينج، اتهم واشنطن بضرب التنمية في بلاده، داعياً مواطنيه إلى «الجرأة على القتال»، ورغم ذلك، تتمهل السلطات الصينية في اتخاذ إجراءات انتقامية حتى لا تتعطل صناعات نوعية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، وفي نفس الوقت، تنفق مليارات الدولارات على تسريع قطاع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، ولهذا، تدعم الدولة الموردين بنحو 30 مليار دولار سنويًا، وتتوزع ما بين أبحاث علمية وإعانات.
ليس غريباً، أن تصبح تكنولوجيا الرقائق المتقدمة مسألة حياة أو موت لدولة تلقب بـ «مصنع العالم»، فالقطاع الصناعي قد يصطدم بالحائط في عام 2025، إذا لم تتمكن السلطات من توفير رقائق الجيل التالي، أو الأدوات اللازمة لصنعها، وربما تتخلف الصين تكنولوجياً عن أوروبا وأمريكا، أو تفقد وصافة الاقتصاد العالمي، إلا أن هزيمتها ليست أمراً مؤكداً، فهي تملك أوراقاً كثيرة للضغط، ومنها بطاريات السيارات الكهربائية، حيث تراهن على شركة «كاتل» التي تعد أكبر موردي بطاريات الليثيوم لأوروبا وأمريكا، وعند التصعيد اللازم، قد تمنعها الصين من التصدير، حينها ستتكبد شركة فورد الأمريكية أكبر الضرر، لأنها استثمرت عبر الصينيين، في مصنع للبطاريات برأسمال 3.5 مليارات دولار.




http://www.alriyadh.com/2014115]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]