منذ سنوات طويلة وفي إحدى مراحل حياتي المهنية، كنت حاضراً لاجتماع للقيادات العليا مع رأس الهرم في المنظومة التي أعمل بها، وكنت قبلها في الاجتماع الدوري السابق قد حققت للتو نجاحاً كبيراً في أحد المشاريع الكبرى وتمت الإشادة به والاحتفاء به من الإدارة العليا. وما إن بدأ الاجتماع إلا وأفاجأ برأس الهرم في المنظومة يشن عليّ هجوماً ضارياً ونقداً شنيعاً بلغة قاسية وعنيفة دون أسباب واضحة أو مبررات، كنت مصدوماً لأقصى درجة ولم أستطع أن أنطق بكلمة، وبعد الاجتماع طلبني ذلك المدير إلى مكتبه في اجتماع خاص وخاطبني: "هل تريد أن تعرف لماذا هاجمتك وانتقدتك؟"، وبكل صراحة وشفافية طلبت منه معرفة السبب، فما كان منه إلا أن قال: "أردت أن أحميك! فبعد الاجتماع الأخير أصابت الغيرة بعض زملائك من قيادات المنظومة، فراحوا يحاولون البحث والتنقيب عن أي أخطاء أو هفوات ويحاولون تهويلها وإبرازها والتأثير عليّ لأقوم بإبعادك وتهميشك.. في الواقع هذا شيء محزن، ولكن لا تلمهم فتلك هي الحياة للأسف. فعندما يرونني أتحدث معك بتلك اللهجة فستهدأ نفوسهم ويشعرون بأنهم حققوا انتصاراً عليك يجعلهم يتركونك في حالك قليلاً..".
لن أكذب عليكم وأقول إنني تفهمت كل ما قاله لي ذلك المسؤول، وأنني شعرت بالامتنان الشديد تجاهه، في الواقع لم تمر فترة طويلة قبل أن أنتقل لمكان عمل آخر أكثر حرصاً على توفير بيئة عمل صحية ونظيفة من تلك الصراعات، ولكن وبعد هذه السنوات الطوال ربما أستطيع اليوم أن أستوعب كيف كان يفكر ذلك المسؤول. في الواقع نجد أن هذا المبدأ في قصة يعقوب عليه السلام مع ابنه يوسف عليه السلام عندما أمره أن لا يقصص رؤياه على إخوته كي لا يكيدوا له كيداً، وتذكرت كلمات ديوك روبنسون: "دع الآخرين يرون أنك غير كامل وستجعلهم سعداء، فإذا حاولت أن تكون كاملاً طوال الوقت فسوف ينصرف عنك من تحاول أن تؤثر فيهم".
ولكن هل هذه هي الطريقة الوحيدة لحماية الموظفين الأكفاء والاستثنائيين؟ في رأيي المتواضع فالإجابة هي: لا، قطعاً! هنالك عدد من النصائح الممكنة في هذا المجال، ومنها:
محاربة ثقافة الدسائس والإثارة الصراعات والعمل على القضاء عليها عبر نشر ثقافة الشفافية والنزاهة والعدل.

تشجيع روح العمل الجماعي كفريق بين أفراد المنظومة وعدم الاحتفاء بالإنجازات الفردية فقط.

تحفيز الحوارات الصادقة المباشرة وتبادل الآراء بشجاعة وأدب بدل حوارات الغرف المغلقة والتحزبات.

تمكين الموظفين الاستثنائيين وتكريمهم ليكونوا قدوة في الإنجاز ويسهموا في صناعة موظفين آخرين على المستوى والإنتاجية نفسها.

الحرص على خطط التعاقب والاستخلاف الوظيفي داخل المنظمة بحيث يكون العمل مؤسسياً وليس قائماً على مهارات فردية.
وباختصار، إذا كان تحت إدارتك موظف أو موظفون استثنائيون، فاحرص على حمايتهم لأنهم قد يكونون عرضة لمختلف الدسائس والمؤامرات. استثمر فيهم ومكنهم ولكن لا تدللهم ولا تجاملهم إذا قصروا، بل كن ذلك الموجه الحازم الذي قد يقسو ليعلم، ويرحم ليصنع نماذج ناجحة من القيادات ذات التعامل الإنساني.





http://www.alriyadh.com/2014150]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]