المطلوب من المسلم أن يوطن نفسه على التواضع والتنازل عن رغباته حيث لا يترتب على ذلك إضاعة حق لغيره، وهذا يساعد على التخلص من داء التعالي والكبر الذي تنهار بسببه الصداقات والعلاقات الزوجية والروابط الأخوية..
الطاعة حين تذكر ككلمة مستقلة فإن لها في مفهوم المعاني معنى الامتثال والانقياد، ثم تتفرع تلك المعاني بحسب تقييد هذه الطاعة، وقد يتبادر إلى ذهن القارئ أول ما يقرأ هذه الأحرف؛ المعنى المتداول خاصة بين الإعلاميين والساسة والخطباء من طاعة ولاة الأمر وهي من أعلاها أهمية، وهذا المعنى في الحقيقة هو تفسير عملي لبيان أن الحياة قائمة على مبدأ "الطاعة" فحياة الشعوب والأسر والأفراد لا تستقيم ولا تستقر ولا تستمر إلا على مبدأ السمع والطاعة، وفي الحديث: "إنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد إنقاد" يعني في طرق الخير، وليس ذلك مقتصرًا على طاعة العبادة وسياسة الشعوب، فإن هذه الطاعة ضرورية لانتظام الحياة وصلاحها، بل هناك الطاعة الوفاقية بالفطرة، فلا تدوم صداقة حين لا تبنى على تناوب مبدأ الطاعة بين الصديقين، فقد يرغب أحدهما بشيء تناقضه رغبة الآخر، فلو أبدى أحدهما امتعاضه وعدم رغبته، لأصبح إتيان الأمر بعد ذلك وطاعة أحدهما للآخر من باب المنّة وإظهار أن أحدهما أفضل صدقًا وحبًّا لصديقه، وهذا في باب الصداقة من بوادر انهيارها، ولكن وجه الطاعة في ذلك أن لا يظهر المعارض رغبته، بل ويشعر أن هذا الأمر هو أيضاً رغبته ويتأقلم على ذلك ليصير رغبته حقيقة، دون أن يشعر الآخر بهذه النفسية لصديقه، وكثير من العلاقات والصداقات يبدأ انهيارها من توافه "التناقضات" التي لم تسلك مسلك "الطاعة"، وفي ارتباطات كثيرة أيضًا، ففي سياق المثال في العلاقات الزوجية أيضًا، قد يتصور سطحي الفهم والقراءة أن معنى طاعة الزوجة لزوجها تلغي طاعة الزوج لزوجه، وهذا في كثير من الروابط الزوجية علامة على انهيار متوقع، أو حياة جبروتية في حق الزوجة، إذ إن للزوجة رغبات كثيرة تحتاج أن يطيعها فيها زوجها، ويبدي أن تلك هي رغبته أيضاً ويتأقلم معها دون عدها وإظهار منته عليها بطاعته وتوافقه.
كذلك بين الإخوة في الأسرة الواحدة، فتنافر رغبات الإخوة في كثير من الأحايين هي السائدة، لاسيما في تلك المجتمعات التي يغلب عليها توارث الطاعة الكلاسيكية المنضبطة بالترتيب والعمر، و، و، إلخ. وكثيرًا ما يصيب هذا النمط التفكك التقليدي، ولكن حين إعمال مبدأ الطاعة والانقياد للأصلح وترك رغباتك لرغبات أخيك إظهاراً للوفاق، وطلبًا لاستمرار وديمومة الاجتماع يظهر حينها ويتجلى «سنشد عضدك بأخيك»، وهكذا في سائر الروابط والعلاقات، ولذلك جاء في الحديث: «إذا خرج ثلاثة في سفر فَلْيُؤَمِّرُوا أحدهم» وليس ذلك إلا لضبط السفرية والحفاظ على الألفة والاجتماع فيها، فإن المسافرين قد تختلف آراؤهم ورغباتهم وستؤدي تلك الخلافات إلى الإخلال بآداب السفر والرحلة، فضبطها الشرع بجعل أحدهم هو المرجع في ضبط برنامج السفر.
وفي الحضر حيث نحتاج أن نصاحب ونرافق ونجتمع في رحلات أو مناسبات وغيرها فنحتاج لأن نكون منقادين لرغبة الآخرين لنجاح العمل، ولا يعني ذلك تنازلاً ولا مذلةً، بل ذلك من عمق الكرم والمروءة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق، يخدم في بيته، ويقدم غيره على نفسه في كثير من أحواله، حتى في مطعمه كما روى أبو هريرة في قصته التي في شرب اللبن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أسقاهم عن آخرهم وكان آخر الشاربين، وفي ذلك ظهرت زكاة نفسه، وكذلك سائر الناس، فالمطلوب من المسلم أن يوطن نفسه على التواضع والتنازل عن رغباته حيث لا يترتب على ذلك إضاعة حق لغيره، وهذا يساعد على التخلص من داء التعالي والكبر الذي تنهار بسببه الصداقات والعلاقات الزوجية والروابط الأخوية. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2014409]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]