ابتكر المجري فولفغانغ كيمبلين في العام 1770م جهازاً من خزانة خشبية خلفها رجل ميكانيكي يلعب الشطرنج، كان الرجل الميكانيكي بحجم الإنسان، مزينًا برداء جميل بعمامة وسراويل واسعة الأرجل، مدثراً بعباءة لإعطاء انطباع شرقي ساحر، يلعب مع المتنافسين ويتغلب عليهم بسهولة، عرض الجهاز في محفل كبير بحضور إمبراطورة النمسا وكان الجميع مقتنعاً بذكاء الجهاز الميكانيكي.
في وقت كانت النخبة في فيينا تشرب القهوة التركية، ويرتدي خدامها زي الأتراك، عرفت آلة الشطرنج حينها باسم الميكانيكي التركي، كانت الآلة التي تلعب الشطرنج ليست سوى خدعة، حيث يختفي داخلها في غرفة صغيرة لاعب شطرنج محترف، يشغل الآلة من الداخل بعيداً عن الأنظار.
ربما شعر جاري كاسباروف عندما لعب مع (ديب بلو) بعد ذلك أنه يلعب مع رجل ميكانيكي مثل جهاز كيمبلين أقل أناقة إنما أذكى بكثير، وعكس كل الذين تقبلوا الهزيمة من جهاز كيمبلين بروح رياضية، مقتنعين أن هزيمتهم كانت أمام رجل آلي فعلاً، راودت كاسباروف شكوك عميقة عندما انهزم من (ديب بلو) أنه هزم من رجل ميكانيكي آخر في خدعة تشبه خدعة كيمبلين، رجل مكانيكي يختبئ داخله لاعب شطرنج محترف وليس ذكاء اصطناعياً.
أساءت خدعة كيمبلين إلى سمعته كثيراً، فقد كان يشغل عملاً مرموقاً في الحكومة وقد عرف بكتاباته الأدبية والعلمية، فقد خصص جزءاً كبيراً من حياته في موضوع التحدث الآلي، حيث ابتكر جهازاً يحاكي أوتار الإنسان الصوتية، لم يشتهر جهاز المتحدث الآلي شهرة خدعة الشطرنج التي عرف بها، رغم أنه أمضى عشرين سنة في دراسته والكتابة عنه حتى وفاته، وكانت مساهمته فيها تستحق الاهتمام.
بعد 250 سنة من خدعة المجري كيمبلين، جاءت أمازون بالميكانيكي التركي الخاص بها، فقد أطلقت أمازون منصة تعمل بالذكاء الاصطناعي كاختراع المجري والاسم نفسه، بعد أن فشلت أمازون في كشف المنتجات المكررة على صفحاتها بالذكاء الاصطناعي، وبعد محاولات كثيرة، وظفت أمازون مهندسين لمساعدة المنصة الذكية، حيث يختفي آلاف العاملين الذين توظفهم أمازون وراء الأنظار لمساعدة المنصة على العمل بذكاء آلي ساحر، عبر جيف بيزوس بتعليق طريف عن منصة أمازون أنها تقنية تعمل بالذكاء الاصطناعي الاصطناعي.
كانت مرارة الهزيمة التي تجرعها كاسباروف من (ديب بلو) قاسية خصوصاً أنه كان في قمة عطائه، لا يبدو فوز (ديب بلو) مفاجئاً لنا اليوم، إنما كانت ملاحظة كاسباروف على أداء البرنامج تثير تساؤلات مهمة في حقيقة الذكاء الاصطناعي، فقد لاحظ كاسباروف في اللعبة التي خسرها أن البرنامج تصرف في إحدى النقلات كما يتصرف الإنسان، مما جعله يشك أن (ديب بلو) يلعب بمساعدة خبير، ربما كان اتهام كاسباروف مباشراً، إنما السؤال نفسه يراود الخبراء في الموضوع نفسه اليوم: إلى أي مدى يعمل الذكاء الاصطناعي باستقلالية عن مبرمجيه؟




http://www.alriyadh.com/2014410]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]