منذ نحو 40 سنة حاورني المذيع الرائع الذي فقدناه في عز شبابه سعود الدوسري -تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته-، حاورني في برنامج إذاعي كان يقدمه، أظن أن اسمه (فور شباب)، وكان من بين محاور الحوار سؤاله عن رأيي في جوال "أبو كاميرا"، وكان ممنوعا آنذاك بتحفظ ممن كانوا يخشون خطره، وبالرغم من أنني كنت أصنف محافظا، شأني شأن السواد الأعظم من مجتمعنا الوسطي المحافظ، إلا أنني كنت أؤيد السماح بدخول جوال "أبو كاميرا" على أساس أنه جهاز شأنه شأن كل تقنية حديثة يمكن أن توظف في الخير والشر، والخير في مجتمعنا أكثر ولله الحمد.
وبالفعل دخل جوال "أبو كاميرا" وكان أكثر المستفيدين منه هم معارضوه ولم يخلُ من سلبيات قليلة كانت وأصبحت وستظل موجودة في كل مجتمع فيه الصالح ولا يخلو من الطالح، ولن يخلو إلا برحمة شاملة من رب العباد.
نفس الشيء عاد ليحدث مع مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام الحديث الذي هاجمنا ودخل أجهزتنا ومنازلنا عنوة ولم يترك لنا خيارا، حتى التلفزيونات الحديثة غزاها وكذا جوالات و(آيبادات) الأطفال والكبار والصغار بل حتى الرضع والكهول والعجائز، ونافس الإعلام الورقي والمرئي والمسموع المتحفظ الرزين وحل محله، وأصبح لكل فرد منصته الإعلامية الحرة لا يراقبها إلا ذاته ومن حوله من الناصحين أو المضللين الفاضحين.
أيضا قلقنا من هذا الغزو السريع وخشينا من نتائجه، وكان بعضها وخيما جدا وخطيرا يستحق القلق وما زال كذلك، لكن كان وما زال له فوائده لمن يحسن اختيار المتابعة ويحكم عقله شأنه شأن الكتاب إن اخترته لخير فهو خير وإن اخترته لشر فشر.
لكن ثمة ميزة عظيمة لوسائل التواصل الاجتماعي سواء منها ما غرد و(توتر) أو ما (فيس وبوك) أو ما تساءل عن الحال و(واتسب) أو ما (تك تك) أو ما (سنب) فجميعها كشفت لنا الصالح والطالح والحكيم والأحمق وذات الحياء وذات التبرج والعفيفة والفاسقة والصادق والكاذب والعاقل والمختل والرزين والخفيف.
بل إن وسائل التواصل تلك أرشدتنا وصححت مفاهيمنا، فكم من شخص ظنناه صالحا فبان فساده، وظنناه صادقا وبان كذبه، أو حسبناه عاقلا وهو صامت فنطق ليمد أبو حنيفة قدمه، لقد كشف لنا إعلام الأفراد ما كان مستورا من أحوال أناس ستر الله عليهم دهرا فنطقوا ففضحوا ما ستره الله عليهم، ووالله إننا لا نفرح بفضيحة مسلم، لكنك لا تهدي من أحببت، نسأل الله لهم الهداية، وثمة من جاهر بالمعصية وفاخر بها، سواء بإسراف في طعام أو تبذير أو رياء وسمعة أو غير ذلك مما لا يرضي الله ولا خلقه ظنا أنه سيقنع المتابع ويجذبه لذات السلوك، لكن، ولله الحمد، أحدث ردة فعل معاكسة ومحاربة وتجنبا لسلوكه المشين.




http://www.alriyadh.com/2017462]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]