قبل بدء الحوار بادر فرعون بقوله مخاطباً موسى عليه السلام: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)). في الظروف العادية، كانت هذه العبارات كفيلة بجعل موقف موسى عليه السلام صعباً بعد أن عرض فرعون أنه كافر بالنعم والخير الذي لقيه في قصره وقاتل لأحد القبط، مما كان سيجعل من العسير على السامعين أن يتقبلوا أي شيء ممكن أن يقوله موسى عليه السلام.. في الحقيقة، ما قام به فرعون يمكن أن نسميه بلغة العصر.. تسميم البئر!
في القرن التاسع عشر وفي عام 1864م، وفي كتابه (Apologia Pro Vita Sua) يقول الكاردينال جون هنري نيومان: "تلك المحاولة الدنيئة من جانبه لكي يشق الأرض من تحت قدمي، يسمِّم مقدمًا عقول الناس ضدي، أنا جون هنري نيومان، ويغرس في مخيلة قُرَّائي الشك والارتياب في كل شيء عساني قائله في الرد عليه، ذلك أسميه تسميم الآبار". يعتبر الكثير من الخبراء هذه العبارة هي أول استخدام تاريخي لمصطلح تسميم البئر، والذي يمكن أن نعرفه بأنه أسلوب ملتوٍ ومخادع في النقاش لأن من يستخدمه يعرف مسبقاً أن من يناقشه يخالفه في الرأي، فيسعى لمهاجمة الشخص والطعن في مصداقيته وإهانته بدل نقاش فكرته.
بكلمة أخرى، عندما يقوم الخصم بالسخرية من الشخص الآخر والتقليل من شأنه، فلن يتقبل الجمهور كلامه، كما لو أن الناس تعتقد أن ماء هذا البئر مسموم وغير صالح للشرب أو الاستخدام. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون هنالك اجتماع في شركة كبرى أو وزارة لمناقشة مبادرة تتعلق بصحة المجتمع، ويأتي أحد الأشخاص معلقاً، قبل أن نبدأ النقاشات والاستماع إلى المشروع المقترح من السيد (ط) حول الصحة العامة، أحب أن أشير إلى أن السيد (ط) عمل لسنوات طويلة في شركة تستورد وتبيع منتجات التبغ في المنطقة.
ومن الأساليب الأخرى في تسميم البئر محاولة تعميم تصور معين كالقول مثلا: "من الغبي الذي يمكن أن يوافق على مثل هذه الأفكار؟"، والأدهى والأمر عندما يكون تسميم البئر والعقول في الخفاء قبل الاجتماع لحسم النقاش قبل أن يبدأ أصلاً.
وهنا قد يتساءل البعض، ماذا أفعل إذا حاول أحدهم أن يسمم ماء البئر ويشوه سمعتي وصورتي ليحارب فكرتي ومشروعي؟ اقترح عليك الخطوات الثلاثة الآتية:
لا تنفعل وكن هادئاً تماماً وواثقاً، لأن أي ارتباك أو خوف يعني انهزامك مباشرة.

احرص على توضيح الحقائق وبطلان هذه الافتراءات لتبرئة ساحتك.

حاول طرح أسئلة مباشرة وعقلانية على الشخص المدعي حول الأسباب والحيثيات التي بنى عليها هذا الادعاء مما سيبين ضعف حجته أو انعدامها.
وباختصار، تسميم البئر وشخصنة النقاشات أسلوب ملتوٍ وجبان، فإياك أن تسمح لأحدهم أن يسمم البئر أو يدعك تشرب من الماء المسموم، فالكذب حباله قصيرة، والمخادع مصيره أن ينكشف ويقع في شر أعماله، ومهما كانت المشكلات والاختلافات فالحوار الصادق والراقي حول الأفكار والآراء بعيداً عن الشخصنة بهدف الوصول إلى أفضل الحلول كفيل بإيجاد المخارج لأكثر القضايا تعقيداً وصعوبة.
وأختم بالمثل التشيكي: "البئر الجيد يعطيك الماء عند القحط، والصديق الجيد تعرفه عند الحاجة".





http://www.alriyadh.com/2022378]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]