إدارة عملية الانتقال بين المراحل التي يمرُ بها الإنسان مهارة عالية، تعلّمها ومواجهتها يُعدان من أهم الأدوات في الحياة لمواكبة التطوير الشخصي بقبول حقيقة أن التغيير جُزء لا يتجزأ من الحياة وأن المراحل الانتقالية هي فرصة للنمو والتطور
غادرنا عامٌ ومعه مزيج من الذكريات أفراح وأحزان، إخفاقات ونجاحات، مضت أجزاءٌ منا كما قال الحسن البصري: "يا ابن آدم إنما أنت أيامٌ كلما مرّ يومٌ من أيامك ذهب بعضٌ منك" وأقبل عامٌ بدورةٍ جديدة مُحملة بالبشائر والمفاجآت، عُدتنا في خوضها، تراكم خبراتنا الماضية.
إن التنقل في مراحل الحياة، سُنة وقانون وضعه الله، يكمن الفرق أن هناك من يمضي مُتنقلاً من مرحلة إلى مرحلة يتعلم منها وينمو معها، وهناك من يبقى عالقاً فيتأخر مُعتقداً بأن الحظ والوقت والنجاح قد فاتته.
والآن، نحن على ناصية عامٍ جديد، نحيا مرحلة انتقالية تستحق الوقوف والتأمل بشغفٍ وطموح، أين نحنُ الآن؟ وإلى أين نتجه؟ وما الأدوات التي تُساعدنا للانتقال والوصول لموانئنا بأمان وبأقل الأضرار؟
إدارة عملية الانتقال بين المراحل التي يمرُ بها الإنسان مهارة عالية، تعلّمها ومواجهتها يُعدان من أهم الأدوات في الحياة لمواكبة التطوير الشخصي بقبول حقيقة أن التغيير جُزء لا يتجزأ من الحياة وأن المراحل الانتقالية هي فرصة للنمو والتطور، نحتاج إلى الاستعانة بالله ثم الثقة بالنفس من خلال تذَكّر الإنجازات السابقة التي واجهناها بالنجاح، أما الشجاعة في تجربتنا لمبادرات جديدة واتخاذنا قرارات حيالها وخوضنا المخاطرة والتحدي لفتح الأبواب المُوصدة تُعد نقلة نوعية لتكوين شخصية مُطورة وناضجة، إضافةً إلى الاستمتاع بالمرونة والقدرة على التكيّف مع التحديات الظاهرة. فمستقبلنا يعتمد على الكُتب التي نقرؤها والقرارات التي نتخذها والعادات التي نمارسها والأفكار التي نتبناها.
تعثرنا في المراحل الانتقالية أمرٌ طبيعي، تكراره لا يجب أن يُقلقنا خلال مسيرتنا، أعلمُ أن توازننا يُحافظ على سلامة وِجهتنا، ولكن تعثراتنا أيضاً تُشعرنا أن احتياجاتنا ومتطلباتنا الأساسية ما زالت غير مكتملة، ما يدعونا نحو العمل والحركة من أجلها. فتغيير طريقة تفكيرنا نحو تجربة الشعور بالتعثر والتذبذب في حياتنا، سيكفل لنا تحويل القلق إلى دليل لطريق نحو خبرات جديدة، بنضج أكبر وعدسة أوسع.
لقد خلق الله أجسامنا وعقولنا متلازمين بنظام متطور، وإدراكنا لهذا التلازم سيُلقي بنوره على تصرفات أجسادنا، وبالتالي على نظام حياتنا كلها، وطبيعة إنجازاتنا فيها. فمثلاً عندما تشعر أجسادنا بالتعب تُرسل إشارات للعقل بأننا نحتاج إلى (النوم) وأيضاً شعورها بالوحدة يعني أننا نحتاج إلى (التواصل مع الآخرين) ما يدفعنا في محاولات لتأسيس وتنويع شبكات علاقاتنا، كذلك شعورنا بالتعثر في الحياة عند انتقالنا من مرحلة لمرحلة إشارة من أجسادنا إلى العقل والقلب أننا نحتاج إلى طُرق للنمو والتطور بتعلم مهارات جديدة.
ولكن ما يفعله الكثيرون أنهم لا يستجيبون لهذه الإشارات، أعذارهم: لماذا وكيف تعثّرنا؟ بينما عند المتفائلين بالمستقبل هناك تعلّم مستمر وحلول عملية لغدٍ أفضل، وتحديث لخططهم الشخصية، وتصالح مع نفس لا ترضى أن تبقى أسيرة للماضي، واستمتاع بالرحلة الحاضرة المليئة بالقرارات الواعية، كل ذلك من أهم الأدوات والاستراتيجيات المُجربة لتخطي العثرات والتحديات، وللشعور بالتوازن في المراحل الانتقالية الشخصية والمهنية.
أشارككم سراً عن قصتي في مرحلة انتقالية كبرى في حياتي، عندما انتقلت بها من القطاع الخاص إلى مجلس الشورى. في المرحلة الأولى، كنت أستمع وأراقب بصمت، انتابتني مشاعر مختلطة من الشعور بالبهجة والخوف من عِظم المسؤولية: آليات عمل، قوانين، صلاحيات، متطلبات مُلقاة علي، المأمول مني، ولأنني دائماً أسعى لتقديم الأفضل، زاد عندي الشعور بالتوتر والقلق، ولكن بعد التأمل في المرحلة وإدراك جميع جوانبها، وضعتُ لي خِطة عمل شخصية محددة المراحل، بدأتها باستشارة من زميلي الشوري الذي شارك قبلي بدورة سابقة، ثم حددت الدور الذي يُمكن أن أُضيفه للمجلس، وبعدها دمجت ما تعلمته وما لدي من خبرات وتجارب لأشارك في مُداخلات ولِجان، حَرصتُ فيها على تحديث معلوماتي ومهاراتي وأساليبي وعلاقاتي باستمرار، وأصبحتُ أرى قضايا الوطن من زوايا متعددة أكثر شمولية، تُساعد العمل الجماعي على أداء الدور الذي كُلفنا به من ولاة الأمر.




http://www.alriyadh.com/2024164]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]