من اللحظات التي تطول على النفس وتشعر بآلامها الروح، لحظة التزامك الصمت بينما لديك الكثير لتقوله.. والحياة مليئة بالمواقف التي تنجب تلك اللحظات، بل إن العمر كله ما هو إلا مجموعة من المواقف التي ترسم حياة الإنسان.. رحلة قطار يمضي مسرعًا بأحداث الدهر وتجاربه، ثم يهدأ القطار حتى يقف.. وعندها ينزل الركاب تاركين أمتعتهم وكل ما لهم.. في محطة لا يعلمها إلا الله.. موقنين بأن بركة العمر هي حسن العمل.
ومع أن المرور بهذه الرحلة حتميٌّ، إلا أنه لن يكون متشابهًا مع كل البشر.. فمن الناس من يكون كمن يقود سيارته في طريق طيني غير معبّد، مع نوافذ مفتوحة ليس بها زجاج وليس لها سقف، حتى كاد يفقد إحساسه بأطرافه.. وعندئذٍ يتمنى زوال الرحلة وانتهاءها.. أو زوالهما معًا..
ومنهم من تكون رحلته كأنه في يخت فاخر.. يمخر في شاطئ إكسوما كايز، وهو واحد من أجمل وأروع ما خلق الله من بحار في جزر الباهاما، يمتاز بجماله الآسر، حيث الهدوء والطبيعة الساحرة.. والمياه الفاتنة.
وشتان ما بين الرحلتين.. ورغم البون الشاسع بينهما، إلا أن هناك ثمة تشابه في الثمرة والنتيجة، إذ يخسر بعضهم حاسة البصر ليكتسب حاسة البصيرة وقوة الحدس.. ولربما تضعف القوة الجسدية، لترتقي وتسمو القدرات الفكرية..
والذكي في هذه الرحلة (المتلونة) لا يخسر أبدًا.. بل يستبدل الخسائر بالأرباح، التي يختلف البشر حتمًا في تقديرها، إذ إن لكلّ واحد زاوية خاصة، فكما قال مكسيم غوركي: «إن الورقة التي لم تسقط في فصل الخريف خائنةٌ في عيون أخواتها، وفيةٌ في عين الشجرة، ومتمردةٌ في عين الفصول الأخرى»، فالكُّل يرى النتائج من زاويته.. ولاسيما لدى أولئك الذين لم تكشف لهم الدنيا عن وجوهها المتعددة والمريبة.. فَمَنْ أَلِفَ الراحة والدعة يختلفُ تمامًا عن ثقيل الأحمال، الذي صنعت منه الأيام شخصًا لا يميل ولا ينكسر.. فكل شيء في الحياة وله ثمن..
واللبيب من طوَّع الأشياء والظروف والأحداث لخدمته وسعادته.. إذ إن أعظم ما يميز الإنسان هو العقل.. فهو مقياس المفاضلة والتفاوت بين البشر.. ومن أجمل المشاهد العقلية التي تبرهن على ذلك.. قصة الطالب الجامعي المهمل الذي ﺭﺳﺐ ﻓﻲ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ، ثم مرَّ على ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ وسأله: ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ أنك ﺗﻔﻬﻢ ﻛﻞ خبايا ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ؟ فرد ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ: لا شك؛ فأنا بروفيسور.. فرد الطالب: إذًا لي سؤال.. لكن إن لم تعرفه، فعليك أن ترفع درجة تقديري في المادة إلى ممتاز.. فرد الأستاذ الجامعي: موافق.. فقال الطالب: ﻣﺎ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ وﻏﻴﺮ ﻣﻨﻄﻘﻲ؟ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻲ وﻏﻴﺮ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ؟ ﻭما ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ؟
ﺣﺎﻭﻝ البروفيسور طويلًا ﻭﻓﻜﺮ، لكنه أخفق في معرفة ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ.. وﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻏﻴّﺮ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻣﻦ ﺭاﺳب ﺇﻟﻰ ﻣﻤﺘﺎﺯ كما وعد..
ﻭﺑﻌﺪها بفترة.. ﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ أذكى طالب ومتميز في الفرقة، فسأله ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ نفسه، فقال ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ المتفوق: سأجيبك ببساطة، يا دكتور.. أنت ﻋﻤﺮﻙ 65 ﺳﻨﺔ ﻭزوجتك ﻋﻤﺮﻫﺎ 24 سنة، ﻭﻫﺬﺍ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻟﻜﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻄﻘﻲ، ﻭﻫﻲ تحلمُ بالارتباط بطالب ﻋﻤﺮﻩ 25 ﺳﻨﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻨﻄﻘﻲ لكنه ﻏﻴﺮ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ، ﻭﻫﺬﺍ ـ (وأشار إلى الطالب المهمل) ـ ﺃﻛﺜﺮ ﻃﺎﻟﺐ ﻣﻬﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ، لكنك أﻋﻄﻴﺘﻪ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻤﺘﺎﺯ، ﻭﻫﺬﺍ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻨﻄﻘﻲ.. ﻓﻬﻤﺖ ﻳﺎ ﺩﻛﺘﻮﺭ ما هو ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ؟!




http://www.alriyadh.com/2024524]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]