على المرأة بصفة خاصة تصحيح صورة المرأة العربية بأيديها هي دون سواها، والبعد عن تلك التفاهات المستوفدة في وسائل التواصل الاجتماعي، التي طفت على السطح، وتم استجلابها لتشويه صورتها تحت إغراء المال وتدفق ما يسمى أعداد (الفانز) و(الترند)..
حينما كنا طلاباً ونقوم بتحليل النصوص العربية والعالمية، اتضح لنا أن المرأة هي الدافع والوازع والمحرك لأي دراما تحدث في نسق متلائم وقوي ومؤثر، ومن هنا كانت أهمية المرأة وأهمية الاهتمام بها بشكل خاص على مدار التاريخ، فهي المغزل الذي يحيك الأحداث من خلف الستار بتأثيرها العميق عمق التواري.
والآن وفي هذه النهضة الكبرى بالمرأة العربية والسعودية بشكل خاص، أصبحت نقطة مهمة في تدفق شريان هذه النهضة المباركة والتي أبهرت العالم.
لقد تخطى دور المرأة العربية رعاية الأسرة بكثير، فهناك مواقع لها في غاية الأهمية تنتظرها وإن كانت قد احتلتها بالفعل، فالتاريخ يدون صفحات مضيئة سطرتها المرأة العربية تضعها في مصاف القادة وإن وقفت خلف الصفوف.
ثم إن المرأة العربية تتمتع بسيكولوجية خاصة عن بقية نساء العالم فهي بنت الصحراء، وللصحراء دورها في صقل النفوس وصفاء الذهن والقوة المقتبسة من مكابدة الطبيعة، فذلك كامن في جينها الأصل وموروثها.
فالتكوين السيكولوجي للفرد يخضع لإطار وظروف البيئة الجغرافية حيث يمكن القول إن كثيراً من أشكال التغيير قد ولدتها ظروف البيئة الجغرافية ليس في المناشط الاجتماعية والاقتصادية فقط بل دفعت المجتمع وأغلب أفراده إلى مواقف بطولية تحسب لهم. فنظراً لاتساع مساحة الأراضي العربية والصحراوية في الوطن العربي كانت أغلب هذه المجتمعات تهرع إلى الغزوات وأخرى للذود عنها من دافع الانتماء عبر تصنيفات قبلية وعشائرية كالرهط والقبيلة والفخذ.. إلخ.
كما أن رجل الصحراء وبالتالي أفراد المجتمع عنصر متحرك لمجتمع يحكمه أمران: قوة الرأي العام والخوف من اللوم.
هذان العنصران يحكمان العربي بما يسمي قانون شرف الصحراء، ومن أهم موارد هذا القانون غير المكتوب تضامن العربي مع رجال قبيلته كالمشاركة في الثأر والدفاع عن الوطن وكرامة الأسرة، ومن هنا يقوم مجتمع القبيلة بصورة خاصة والمجتمع العربي بصورة عامة على وحدة الدم والولاء للعصبية وللوطن والهوية التي تفرض الكثير من الحقوق والواجبات والالتزامات المتبادلة بل تفرض أنواعاً معينة من السلوك، وبالتالي تمارس قدراً كبيراً من السيطرة، ومن هنا تكون الأعراف والتقاليد ضرباً من ضروب القوة في الذات الفردية تجاه الآخر.
وبنت الصحراء ذات التكوين القبلي في أرجاء الوطن العربي لا تنفصل عن ذاتها ومقاومة أي قانون يخرق هذه القوانين بما فيها مقاومة وإنكار الغزوات أو الدفاع عن الهوية والوطن، هذا التكوين الكامن في نفوس بنات الصحراء والممتد عبر الأجيال نجد له تبايناً جلياً مع تكوين أخريات لهن مواقف مغايرة في مثل هذه الظروف.
السيدة صفية بنت عبدالمطلب في غزوة الخندق كانت مع النساء في حصن يقف على حراسته حسان بن ثابت، ومر بالخندق رجل يهودي يتلصص على نساء المسلمين فقتلته بوتد من أوتاد الخيام، وعادت إلى حسان بن ثابت تطلب منه أن يأتي إلى سلب القتيل لأن حياءها يمنعها من ذلك لكونه رجل.
هذا الموقف من امرأة عربية تدافع عن دينها وعرضها وهويتها وأعرافها ينبع من تكوين شديد الخصوصية والمستمد من قوة العقيدة والذود عنها.. يختلف مع تكوين امرأة أخرى يعتريها الخوف والفزع كالسيدة ماري أثناء حصار أورشليم من قبل الرومان واستبدت المجاعة بأهل المدينة، فكان الجنود يفتشون البيوت بحثاً عن الطعام، قتلت هذه المرأة طفلها الرضيع والتهمت جسده بعد شوائه، وعندما أتى الجنود على رائحة الشواء قدمت لهم باقي الجسد ليلتهموه، فأي هلع ينتاب هذه المرأة حتى تقتل وليدها وتأكله، وهي تقول: لماذا أبقيك حياً في زمن الحرب والمجاعة، بل وتقدمه للجنود ليلتهموه خوفاً من بطشهم.
ولا ينسى التاريخ موقف السيدة أسماء بنت أبي بكر، حيث وقفت أمام ابنها عبدالله بن الزبير حين كان محاصراً بمكة وطلب إليها الحجاج بن يوسف الثقفي أن تذهب إلى ابنها لتثنيه عن موقفه لعلمه بمدى تأثيرها عليه، فما كان منها إلا أن تقول لابنها:
"لا تمكن بني أمية من نفسك فيلعب برأسك الغلمان، إن كنت تريد الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن كنت من أهل الدنيا فهذا ليس فعل الأمراء ولا أهل الدين، لم خلودك في الدنيا؟"،
وكان لمقولتها الشهيرة: "لا يصير الشاة سلخها بعد ذبحها" أثرها في صناعة الرأي العام الذي يتكئ اتكاء مباشراً على قوة المرأة وقوة مواقفها في صنع القرار.
إن تعاقب الاستعمار على أرض الوطن العربي صبغ أفواه المفوهين بلون الحكمة وعقولهم بنور البصيرة والثورة والحرية، حيث تكونت ذهنية وطنية مخلصة وصانعة قرار، فلا ينسى التاريخ أسماء جميلة بو حيرد في الجزائر، ولا صفية زغلول وهدى شعراوي في مصر، وسناء محيدلي في لبنان.
والتاريخ طويل في وصف سمات المرأة العربية، التي وقفت خلف الرجال صناعة وفكراً وحافزاً.
واليوم حينما تبث وكالات الأنباء على شاشات التليفزيون نجاحات المرأة وتفوقها بثقافة، وأنها أصبحت حاضرة لأنه قد تم تجهيزها حتى تستدعى لتبهر العالم بما صاغته وأنجزته وثقفته، فأصبح مكانها جاهزاً ليكمل مسيرة النهضة والتقدم في شتى المجالات، وهي بلا شك تحمل عبئاً كبيراً من أداء رسالتها التي آن الأوان أن تقف خلف قضاياها بما تحمله من وعي وثقافة لتواجه العالم الذي اكتفى بدور المتفرج على المذابح والعنف، وذلك بتكريس عملها في تكوين الرأي العام العالمي الذي يرى في كلمتها قوة وفي فعلها حباً وسلاماً، وترفع شعار "لا مكان للمنتفعين والدخلاء".
إن علينا وعلى المرأة بصفة خاصة تصحيح صورة المرأة العربية بأيديها هي دون سواها، والبعد عن تلك التفاهات المستوفدة في وسائل التواصل الاجتماعي، التي طفت على السطح، وتم استجلابها لتشويه صورتها تحت إغراء المال وتدفق ما يسمى أعداد (الفانز) و(الترند)، فذلك لا يعد سوى اختراق لماهية المرأة العربية وتشيئها لتصبح سلعة رائجة دون أن تدرك ماذا يحاك لها في غفلة حفنة المال على حين غرة،
إنها مجرد غفوة يجب الاستفاقة منها؛ لأن هذا الكفاح الذي عهدناه في تاريخ المرأة العربية لن يتوقف بسبب تلك الصدمة الحضارية الدخيلة والمستحدثة.
إننا نعتقد أن هذه الهجمة واستجلاب سلوك غير معهود لبعض النساء يعد نوعاً من الحروب الدافئة، بأمر لم نعهده في سلوك المرأة العربية وفي سلفها الممتد فيها وفي أجيال قادمة تتدفق ذوداً عن هويتها، فالمرأة هي صائغة الرأي العام.




http://www.alriyadh.com/2024698]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]