سورة الشرح أو سورة الانشراح، سورة مكية ترتيبها الثانية عشرة في النزول، وفيها الكثير من الدروس القيادية التي نستعرض منها ما يلي:
أهمية التفاؤل: في أسباب النزول سورة الانشراح أن كفار قريش كانوا يعايرون المسلمين ويذمونهم بفقرهم وحاجتهم. وفي تلك الظروف الصعبة جاء نزول السورة والآية الكريمة: (إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا)، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "أبشروا بالفرج وزوال العسر". وهكذا، فإن التفاؤل والتفكير الإيجابي مهم للقائد والذي من مسؤولياته أن يبعث هذه الطاقة الإيجابية لفريقه حتى في أصعب الظروف وأكثر الأزمات تعقيداً.
الاهتمام بالصحة النفسية: أصبح التوتر والقلق والضغوط النفسية من أسوأ الأمراض التي تصيب الكثير من القياديين والمسؤولين، ويمكن أن تتفاقم المشكلة مع التفكير السلبي الزائد وما يقود إليه من تشاؤم وأمراض عضوية ونفسية وغيرها خاصة مع تراكم المهمات وتزايد التحديات وتكالب العداوات. ونجد في الآية الأولى في سورة الانشراح تذكيراً من الله عزوجل لنبيه الكريم بنعمه الكبيرة عليه والتي جاء في مقدمتها انشراح الصدر وطمأنينته. ولا شك أن العمل المتواصل تحت الضغوط يمكن أن يؤدي لعواقب وخيمة، ونجد الرسول صلى الله عليه وسلم على وعي تام بهذه الضغوط وضرورة التعامل معها في حديثه عن الصلاة لبلال رضي الله عنه: "أرحنا بها يا بلال".
التغذية الرجعية الإيجابية: سورة الانشراح جاءت لتعرض الكثير من نعم الله عزوجل على نبينا الكريم لتمنحه الشجاعة والسكينة على مواجهة ما يعترضه من صعوبات وحروب من كفار قريش وغيرهم. وهكذا، فأي قائد وأي موظف بحاجة إلى أن يستمع إلى مديح وشكر وتقدير، وتذكير بإنجازاته. وفي خضم الانشغالات يتناسى الكثير من المسؤولين أن يعبروا عن امتنانهم لمرؤوسيهم وزملائهم رغم أن كلمات بسيطة صادقة قد يكون لها أثر قوي وتحفيز كبير لمن يستمع لها.
ضرورة معالجة الأخطاء: يمنّ الله عزوجل على رسولنا الكريم أنه وضع عنه وزره. وفي هذا درس مهم بأن الكل سيخطئ ووقوع الأخطاء والفشل شيء طبيعي لكل من يجد ويجتهد ويعمل، لكن المهم هو مواجهة المشكلة والعمل على حلها وعدم تجاهلها أو تأجيل الحل بدون تعامل جدي.
تحمل المسؤولية: يصف الله عزوجل أن الوزر أنقض ظهر رسولنا الكريم. فرغم أن الله عزوجل غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إلا أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يتحمل المسؤولية ويستشعر عظمها وثقلها. وهكذا القائد الفذ الذي يستشعر عظم مهمته ولا يتهرب من مسؤولياته، وهذه النوعية من القيادات التي يثق بها الفريق ويعمل معها وهو يستشعر الأمان والتمكين بعكس القادة الفاشلين الذي يتهربون من أخطائهم ويحملون المسؤولية لغيرهم دون خوف أو ضمير.
القيمة العالية للسمعة الحسنة: رفع الله عزوجل ذكر نبينا الكريم، ليس في الأذان فحسب، بل عبر العصور في نعمة كبيرة وخالدة. وهكذا، فالقائد الفذ يحرص على سمعته الشخصية وسمعة المنظمة أو الجهة التي يقودها وذلك عبر إنجازات حقيقية وواقعية وليس وعوداً وانتصارات وهمية. وفي الوقت نفسه فمن الأخطاء الإدارية الشائعة السعي الحثيث من المسؤول خلف الأمجاد الشخصية وتسويق الذات على حساب المصلحة العامة ومصلحة المنظمة وهو ما يعد خيانة للأمانة.
أهمية الراحة: يخاطب الله عز وجل نبيه الكريم (فإذا فرغت)، وفي هذا درس عظيم لأهمية الراحة والفراغ، ففي عصر السرعة والتواصل الدائم والعمل الذي لا ينقطع ينسى الكثير من القادة أن يرتاحوا وأن يريحوا من معهم. ولا شك أن العمل المتواصل دون أخذ قسط من الراحة والاستجمام من فترة لأخرى سيقود إلى انهيار وسقوط مفاجىء سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي. ويدخل في ذلك احترام القائد للتوازن بين الحياة والعمل وعدم التواصل في الأشغال في الإجازات أو خارج أوقات الدوام إلا في الحالات الطارئة التي تستدعي ذلك فقط.
الاستغلال الذكي للوقت: جاء الأمر الإلهي لرسولنا الكريم بأن ينصب وقت الفراغ، وفي هذه إشارة لأهمية الاستغلال الذكي للوقت عموماً ووقت الفراغ خصوصاً فيما ينفع، بحيث تكون أنشطة ذات فائدة سواء بمعايير الدنيا أو الآخرة، وليست سلوكيات ضارة يمكن أن تنعكس على الإنسان بشكل سلبي.
حسن الظن بالله: جاءت آخر آية كريمة في السورة بأمر إلهي لرسولنا صلى الله عليه وسلم بأن يرغب إلى ربه ومولاه، وفي ذلك تذكرة لكل منا بأنه مهما بذل من الأسباب واتخذ الاحتياطات، فلا بد من حسن ظن وتوكل على رب العباد الذي أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، وهذا يجعل الإنسان أقوى وأكثر صلابة وثقة في وجه كل تحديات الدنيا طالما كان مؤمناً وواثقاً بالله عزوجل.




http://www.alriyadh.com/2024699]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]