حضر الشاعر السوري علي أحمد سعيد المعروف بأدونيس إلى السعودية مايو الماضي في زيارة ثقافية.. كان وجوده مميزاً وحديثه لافتاً، وسط ترحيب ثقافي تطرق له أدونيس في محاضرته الرئيسة ليؤكد "أن علاقته بالجزيرة العربية لا تتعلق باللغة والشعر فقط؛ ولكنها علاقة ترتبط بالوجود والكينونة، بأرضٍ مملوءة بأسرار لم تُكتشف بعد".. وبدا سعيداً بالزيارة ومبتهجاً بالحفاوة.
لكن ما الذي حدث لهذا الرجل في أول تصريح رسمي له بعد الزيارة وتحديداً في المغرب "مهرجان تويزا" حينما تحدث فقط عن المرأة السعودية وحجابها حديث الاستغراب والتقليل، وحتى الاندفاع بالتقييم والتصور.. وكأنه لم يلمس متغيرات رائعة لدولة ضمن مجموعة العشرين هي من الأكثر نمواً وارتقاء وأمناً وتقدماً في العالم.. "لم يرَ من الجمل إلا أذنه" وفق نرجسية خطابية جعلت هذا الرجل يعبر عن الجهل.. لا المعلومة والحقيقة؟!
نحن هنا لا نناقش التأثير الثقافي لقامة أدبية كما هو أدونيس، لكننا نحاول فهم العقلية المبنية على التسطيح حتى لو أعجبتنا مقالاته وكتبه وحتى مفرداته، كون هذا الرجل المثقف باتفاق الكثيرين سواء كشاعر كبير أو كاتب أريب لا سيما وأن لمؤلفاته الصدى الجيد ليس عربياً فقط بل عالمياً، حتى وهو معروف بنرجسيته وماضيه العدائي مع دول الخليج، لكن أن يسقطها علينا وفق مفهوم الدعوة التي قيّمها وفق منطقه الناقص.. حتى وهو يقول في الرياض وقبلها في مدن كثيرة خلال حديثه عن المرأة كلام المثقف المهتم بنتاجها العلمي الثقافي: "ما تكتبه المرأة العربية اليوم أكثر أهمية مما كتبناه نحن السياب ودرويش وقباني، لأنها بدأت تخرج من رأسها الثقافي، وتكتب جسدها العميق الحقيقي، وتفتح طريقاً جديداً للتعبير، وأفقا آخر غير معروف في الكتابة الشعرية العربية، لكن مازلنا نتردد في الاعتراف بذلك".. فهل لم يرَ هذا خليجياً، وحين زيارته يبدو أنه انشغل بالماضي الذي يحمله فكره الذي جعله متوتراً ليركز على هيئة المرأة الخارجية وما ترتدي من ملابس فقط.
أعاود القول إنني لست في محل التقييم لمنطقه وفلسفته ومحتوى ثقافته، لكن أن يبلغ غروره هذا الحد بعد الزيارة، وهو هنا يعيدنا إلى كثرة شكواه وتوجعه من أن جائزة نوبل لم تعرف طريقها إليه من فرط نرجسية يعيشها، وكنا نشارك صاحب الثابت والمتحول وأغاني مهيار الدمشقي هذا التعاطف.. ليس إلا أنه عربي وأديب وشاعر متمكن.. لكن كصاحب منطق ومتواضع، لا..؟!.
ويبدو أننا كنّا مخدوعين بالعقلية التي يحملها، لا سيما وأنه يتحدث ويكتب أنه ضد الاستبداد والقمع، ومع التلاقي والتفاهم واحترام الآخر.. فحين انفجرت كثير من بلاد العرب وفق ما يسمى الربيع العربي دماً وتقتيلاً، وصاح العالم بأن هناك تناحراً وظلماً، ظهرت حقيقة أدونيس وولاؤه للمصلحة، فكان أن انقلبت حِكمه وأشعاره رأساً على عقب انتصاراً لأصحاب الولاء.
المواقف الصلبة هي من تكشف الرجال على حقيقتهم وأدونيس رسب في ذلك، حتى أن حواراته الصحفية قد أظهرت علي أحمد سعيد كما هو عارياً متجرداً من أي لباس يستر ويتخفى داخله من قبل.. فلم تكن تلك اللقاءات إلا تعبيراً عن عنصريته المقيتة واستهتاره بدم الضحايا لينتصر لأصحاب الولاء ويراهم الحقيقة الذي يجب أن تتبع؟!
أدونيس تخلى عن كل مبادئه، وحتى أنك تقرأ الآن في كتاباته ارتباكاً وتناقضاً فرضته حالة الخلل التي يعيشها، وهنا لن نعتب على التسعين التي تجاوزها بثلاثة أعوام، لأنها كانت جديرة أن تجعله أكثر نضجاً واتزاناً.. لكن هيهات وهو ورغم العمر المتقدم مازال يكشف عبر كل يوم جديد أن هناك مزيداً من الأدوار التي سيقوم بها لإثبات تناقضه.
خيبتنا بكثير من المثقفين العرب ستمتد وسيظهر للعيان آخرون من أصحاب الفكر المتناقض كما هو أدونيس، ولا بأس بعد ذلك إن شاهدناهم ثابتين غير متطورين كما عناوين كتبهم.. لا يواكبون التغيير والارتقاء، ولا يدركون من هم أصحاب الفكر الأسمى والأفضل لشعوبهم، وكيف أن هذه الشعوب ارتفعت ارتقاء وفكراً وتنمية.. ولن يعنيها أبداً أن تكون ملاحظة أدونيس عن الحجاب على حساب الحقيقة والإنسانية واليوم الحاضر!




http://www.alriyadh.com/2024700]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]