أمر إيجابي أن يستمر الحوار حول موضوع التعليم بمراحله المختلفة بشكل عام، وبشكل خاص حول قضية توافق مخرجات التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل. هذه القضية تطرح التساؤلات حول التخصصات المتاحة للطلاب، وكيفية اختيار التخصص، وهل المستقبل الوظيفي هو المعيار الأهم الذي يعتمد عليه جميع الطلاب في اختيار التخصص أم أن هناك مؤثرات أخرى مثل شغف التعلم أو التأثر بتخصص الأب أو رغبة الأب وليس رغبة الطالب؟ وهل يفترض أن يتجه كل خريجي الثانوية للجامعات؟
أسئلة مهمة وحوار مستمر إيجابي في مرحلة تنموية مهمة تتطلب تعدد الآراء لإثراء الموضوع بما يستحق. ليس المطلوب أن ينتصر رأي على آخر، المطلوب طرح الأسئلة والانطلاق من نظرة شمولية تتفق مع التنوع الطبيعي في المجتمع من حيث الرغبات والقدرات والاحتياجات. المجتمعات التي تحتاج إلى تخصصات الطب والإدارة والفيزياء والكيمياء والهندسة لن تستغني عن علم النفس وعلم الاجتماع والجغرافيا والتاريخ والآداب. هكذا يكون التعليم الجامعي للتعليم والعمل في نفس الوقت بمشاركة معاهد ومراكز التدريب المتخصصة. احتياجات سوق العمل من التخصصات ليست متساوية، هذا صحيح لكن الحل ليس في إلغاء بعض التخصصات وإنما التقنين ووضع معايير قوية في القبول والبرامج من حيث الكم والكيف. توافق التعليم الجامعي مع احتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية مطلب منطقي اجتماعياً واقتصادياً وهو ما تهدف إليه رؤية المملكة 2030 سعياً إلى توفير كفاءات مميزة توافق احتياجات سوق العمل المحلي والعالمي والحد من البطالة.
الاحتياجات تتغير وتتطلب المرونة والسرعة في مقابلة هذه الاحتياجات ومنها احتياجات لم تكن موجودة وأصبحت ملحة، وهذا ما أدى إلى عقد الشراكات بين الجامعات وبين قطاعات التوظيف الحكومية والخاصة وتعزيز هذه الشراكة بالتدريب العملي. هذا لا يعني أن المجتمعات قررت بشكل نهائي عدم الحاجة إلى العلوم الاجتماعية، هذه تخصصات ثابتة يمكن التحكم في أعداد المقبولين فيها، وليس التفكير في إلغائها لأن التوازن مطلوب في حياة المجتمعات. المجتمع بحاجة إلى الطبيب والمتخصص في علوم البيئة والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن السيبراني وغيرها، وفي نفس الوقت لا يزال وسيظل بحاجة إلى الاستشاري الاجتماعي والأسري والتربوي والمتخصص بالسياحة والتسويق والإعلام والعلوم الاجتماعية بشكل عام. توفير احتياجات سوق العمل ضرورة لا يجب أن يكون هدفها إلغاء تخصصات أخرى يتجه إليها الطلاب لأهداف تعليمية لا وظيفية.
إن احتياجات سوق العمل لن يكون مصدرها الوحيد التعليم العالي، لا بد من تطوير معاهد ومراكز التعليم والتدريب المهني وجعلها جاذبة للطلاب بحوافزها التعليمية والوظيفية بما يساهم في توطين كثير من المهن وفي هذا المجال فرص وظيفية لا حصر لها.
التعليم للعلم والتعليم للعمل يجب ألا يتعارضا، التركيز على توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل ضرورة تنموية استراتيجية وتكتمل بأن نضيف عليها مخرجات التدريب. أما المسار الآخر وهو التعليم للعلم فهو مسار ثقافي مهم للفرد والمجتمع ولا يفترض أن يتعارض مع مسار التعليم للعمل إلا إذا كان للاقتصاديين رأي آخر.
التعليم هو قضية كل زمن وكل مجتمع، هو مجال حيوي لا يقبل الثبات والسكون، ومساحة مفتوحة للحوار لا حدود لها يشارك فيها كل فئات المجتمع.




http://www.alriyadh.com/2030318]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]