بين آونة وأخرى تظهر دراسات عالميّة جادّة تحاول استشراف مستقبل شكل الدول، وطبيعة العلاقات السياسيّة فيما بينها في العقود الثلاثين المقبلة، وتركّز بعض هذه الدراسات على واقع ومستقبل الدول والكيانات السياسيّة القائمة وظروف تحولّاتها، وفي بعض هذه الدراسات تُطرح تساؤلات محيّرة عن احتماليّة تفكّك العديد من الدول الكبرى، وربما انقسام بعضها سواء بالاتفاق، أو الصراع، أو بحكم الضرورة للبقاء.
ومن المرجّح بحسب الدراسات أن تتغلّب القوّة الناعمة (التكنولوجيّة والبيئيّة والاجتماعيّة والثقافيّة) على الاقتصاد والقوّة العسكريّة الصارمة كعوامل حاسمة في المجال الجيوسياسي في العقود الثلاثة المقبلة. أمّا طبيعة الجيوش النظاميّة فقد تتآكل أهميّة العسكريّة التقليديّة للدول إذ (ربما) ستتحوّل الحروب من الجيوش النظاميّة إلى المقاولين المستقلين، والميليشيات، والقوات الروبوتيّة والسيبرانيّة، ومع أن الهويّات الثقافيّة والوطنيّة والإيديولوجيّة، ستكون ذات أثر كبير ربما قبل الاقتصاد أحياناً باعتباره محوراً رئيساً للسياسة العالميّة، ولكن من المحتمل أن دوافع حروب المستقبل لن تكون (في المقام الأول) بسبب الرغبة في التوسع الجغرافي، أو فرض الإيديولوجيا، إذ يبدو أن الصراعات المستقبليّة ستتمحور حول النفوذ الاقتصادي، والمياه، والموارد عمومًا، وبطبيعة الحال هناك توقّعات كبيرة بأن قضيّتي تغيّر المناخ، والتدهور البيئي ستكونان قضيّتين مركزيّتين في السياسة العالميّة مترافقة مع ندرة الموارد، (المياه والأراضي، الصالحة للزراعة) ما قد يؤدي إلى صراعات، وموجات من الهجرة.
أما القوى المؤثّرة في السياسة الخارجيّة بحلول عام 2050 فستظل هناك قوى قديمة فعّالة –بحسب الدراسات-، ولكن سيتغيّر ترتيب موازين القوى لتتقدّم الصين والهند، وتتراجع الولايات المتحدة الأميركيّة وأوروبا، وقد تتقدّم روسيا إذا كُتب لها النجاة من حرب كبرى تلوح في الأفق.
وترجّح بعض الدراسات تعاظم دور الظروف الجيوسياسيّة في تشكيل القوى الإقليمية الكبرى بحلول عام 2050، إذ قد تصبح إندونيسيا والبرازيل والسعوديّة والمكسيك ونيجيريا وكينيا وتركيا ومصر والفلبين وكولومبيا وإيران وفيتنام دولاً ذات شأن كبير في السياسة العالميّة تبعاً للوزن الاقتصادي والكثافة السكانيّة الهائلة. ومن هنا فستتغيّر طبيعة العلاقات بين القوى العظمى الصاعدة والمتراجعة، ولكنّ الإشكال هنا أنّها في معظمها مسلحة نوويّاً. وفي حال نجاح إبعاد أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينيّة وأفريقيا عن الولايات المتحدة الأميركيّة واستمرار نمو النفوذ الصيني وحلفائه فإن هذا يعني بالضرورة إعادة ترتيب المشهد العالمي بشكل جذري.
وبطبيعة الحال فهذه التوقّعات مبنيّة على معطيات حاليّة، ومتوقّعة ولكنّها لا تشمل المفاجآت في الاختراعات والمتغيرات البيئيّة ومحدّدات قرارات بعض السياسيّين في المستقبل.
قال ومضى:
المستقبل ببساطة هو انعكاس ما تفعله اليوم استعداداً للغد.




http://www.alriyadh.com/2030772]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]