إن الوسطية الإسلامية حقيقة ثابتة نصاً قرآنياً، ونصاً نبوياً، فالإسلام دين الحياة، وروحها، وهداها، ونورها، وصراطها المستقيم، سطرت منهاجه الأسمى آي الذكر الحكيم وسنة سيد المرسلين..
تنزلت سورة البقرة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله، وجمعت أعظم تشريعات هذا الدين القيم، ولا غرو أن تكون هذه السورة عصية على الشيطان، والسحرة، وغيرهم من أهل الباطل والنفاق والضلال المبين.
ولا جرم أنها حوت كنوزاً من الخير والهدى والرشاد، ويكفيك افتتاحها بهذه الآية العظيمة (ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين) وتحدت المعاندين أن يأتوا بسورة من مثله، وأطلقت التحدي إلى يوم الدين.
ولست بمحاول أن أتحدث عن سورة البقرة في كلمات معدودة، فالعجز واضح عن أن نسهب الكلام عن آية منها، فكيف بكامل السورة وهي أطول سور القرآن، وفيها أعظم آياته، وأطولها؟
فسورة البقرة تحدثت عن شعائر الإسلام العظيمة، التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج، وهذه هي الأركان، وتحدثت عن بقية الشرائع من الجهاد والبر والتقوى والإنفاق والمداينة والرهن والصبر والبلاء واستقبال القبلة والقصاص والنكاح، وغير ذلك.
أردت من هذه المقدمة أن أجعلها متكأ لغايتي من هذا المقال، فقريباً من منتصف السورة جاءت هذه الآية العظيمة، وهي موطن الشاهد، قال جل في علاه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).
إن الوسطية الإسلامية حقيقة ثابتة نصاً قرآنياً، ونصاً نبوياً، فالإسلام دين الحياة، وروحها، وهداها، ونورها، وصراطها المستقيم، سطرت منهاجه الأسمى آي الذكر الحكيم وسنة سيد المرسلين.
وهذا واضح ليس في التشريع فحسب بل في الكون كله، أعني التوازن الوسطي، والعدالة الربانية، أليس الله يقول: (وخلق الله السماوات والأرض بالحق) قال المفسرون: أي بالعدل. وذلك أن خلق السماوات والأرض يتضح منه تمام الإتقان، ودقة النظام، مما يدل على إرادة العدل في تصريفها، والتناغم بينهما جلي وبين، ما جعل أولي الألباب يستدلون به على العدل والحكمة فقالوا: (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك). فالآية تبين أن قاعدة الحق والعدل الذي بني عليه هذا الكون هي نفسها التي بنيت عليها هذه الشريعة الغراء.
وهي القاعدة التي تقوم عليها حياة الناس ويصلح بها معاشهم، ميزان القسط، والعدالة، وهو المسمى الوسطية، أو قل إعطاء كل ذي حق حقه، كما في حديث سلمان وأبي الدرداء، رضي الله عنهما.
إن المراد الوسطية بكل معانيها، من العدل والخيرية والتوسط بين طرفي النقيض، أو ما يسمى بالتطرف والتفريط، فلا غلو في الدين، ولا تفريط فيه، فحيث ننهى عن التشدد، فإنا ننهى عن التمييع والتساهل أيضاً، والوسط بين هذا وذاك أن يقام شرع الله كما ينبغي أن يقام.
فشريعة الإسلام راعت روح الإنسان ولم تهمل جسده، كما نبهته إلى آخرته وحثته عليها، ولم تلغ دنياه وتشغله عنها (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا). وكثير من الناس يأخذ نصف هذه الآية الذي يتناغم مع هواه، ويترك نصفها، وكل ذلك مخالف للشريعة.
وفي كل شأن فإن المسلم الحق يسلك طريق الوسطية فيه، بمعناها الشامل، توسط واعتدال، وخيرية وفضل، حتى في الجانب الإيماني، فليست الوسطية في العمل فحسب، ومن ذلك الخوف والرجاء، والمحبة، والقدر، وعلى هذا المقياس سر.
فلا تظنن أخي الحبيب أن التشدد دين، وليس التخلص منه أيضاً دين، والله تعالى يقول: (ولو شاء الله لأعنتكم) ويقول: ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ويقول: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ).
وفي هذا بيان أن فعل التكليف هو الدين، وأن فعل التكليف ليس تشدداً، وليس تنطعاً، (فأقيموا الوزن بالقسط، ولا تخسروا الميزان)، (وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم). هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2033039]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]