علاقات المملكة مع حلفائها الاستراتيجيين اليوم تقوم على أساس الشراكات لا الاتفاقيات؛ على أساس من الندية والثقة والاحترام المتبادل، وإذا فُقدت هذه العناصر أو أحدها، فللمملكة كامل الحق في مراجعة مستوى تلك العلاقات بحسب ما يخدم مصلحتها الوطنية انطلاقًا من سيادة قرارها الداخلي..
تتجه اليوم الأربعاء 20 سبتمبر 2023م أنظار العالم صوب قناة فوكس نيوز الأميركية (أحد أقدم وسائل الإعلام الأميركية) لمتابعة المقابلة الحصرية لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- والتي تعكس الاهتمام العالمي بالمملكة العربية السعودية نظير ما تتمتع به من مواقف ثابتة في سياستها الخارجية وما تُشكله من ثقل اقتصادي في ظل رؤيتها الطموحة 2030 وما تلعبه من دور استراتيجي في حفظ التوازنات في المنطقة والعالم.
رمزية هذه المقابلة العالمية في شخصية الأمير محمد بن سلمان كشخصية قيادية استثنائية ليس على مستوى المنطقة فحسب بل على مستوى العالم، ويمُثل برؤيته العميقة ونهجه الإصلاحي ونظرته الاستراتيجية للسياسة الخارجية وأزمات المنطقة محورًا في حاضر ومستقبل صناعة القرار السياسي والاقتصادي إقليميًا ودوليًا.
ولذلك علاقات المملكة العربية السعودية مع حلفائها الاستراتيجيين اليوم تقوم على أساس الشراكات لا الاتفاقيات؛ على أساس من الندية والثقة والاحترام المتبادل، وإذا فُقدت هذه العناصر أو أحدها، فللمملكة كامل الحق في مراجعة مستوى تلك العلاقات بحسب ما يخدم مصلحتها الوطنية انطلاقًا من سيادة قرارها الداخلي.
ولذلك فإنّ السياسة النفطية الحازمة التي تقودها المملكة، ستبقى خالدة وشاهدة على صلابة هذه الحمى، وأن التصميم الاستراتيجي للمملكة على ضمان الأسعار وحجم التضحية لا يتزعزع، والذي استجابت على إثره أسعار النفط التي وصلت لأعلى مستوى لها هذا العام، مع انخفاض احتياطي النفط الاستراتيجي للولايات المتحدة إلى أدنى مستوى له خلال الأربعين عاما الماضية، ما بدد حلم الفيدرالي الأميركي الإعلان عن مكافحة التضخم.
لا يفصل بين الولايات المتحدة والانتخابات العامة سوى 12 شهرا، وقريبا ستحول إدارة بايدن تركيزها من "تحقيق النتائج خارجيا" إلى "انتزاع الأصوات داخليا" وبحلول ذلك الوقت، سيكون الوضع الاقتصادي داخل الولايات المتحدة أكثر أهمية لإدارة بايدن من الوضع خارج الولايات المتحدة، لن يكون لدى إدارة بايدن قريبا الوقت والطاقة والميزانية للتعامل مع القضايا الخارجية. وبنفس الطريقة، سيتم عقد البرلمان الأوروبي الجديد في يونيو 2024، كما أنهم لا يملكون ما يكفي من الوقت والطاقة للتعامل مع التخطيط طويل المدى والقضايا الاستراتيجية؛ والذي لا يستطيع الصمود في وجه تقلبات أسعار الطاقة، وحرق المزيد من الفحم والحطب الذي أعادهم إلى مرحلة صناعة الطاقة لأول مرة بعد الثورة الصناعية، ومع ارتفاع أسعار الطاقة ومشكلات سلسلة التوريد تهدد القدرة التنافسية للصناعة الأوروبية، والتي تشكل الدعم الأساسي لعمل الاقتصاد.
أصبحت الدول النامية قوة ناشئة على الساحة العالمية تعمل على إنشاء سلاسل توريد متنوعة ومرنة وتكامل اقتصادي وصناعي اقتصادي وإمدادات طاقة آمنة نظيفة ومستدامة، ومنافسة جوهرها الكفاءة، هذا أصبح الاتجاه الدولي الذي لا رجعة فيه، والذي يتطلب استخدام أساليب حكم قوية ومتينة ومواقف واضحة، لتعكس بشكل كامل متطلبات المجتمع الدولي للتنمية المشتركة والرخاء المشترك.
ولو نتأمل ونراقب فقط من منظور إستراتيجي التغييرات في الاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية، سنلاحظ أن العالم متجه لنظام عالمي متعدد الأقطاب، والنظام العالمي الحالي مسيطر عليه نادي روما أو الرأسمالية، وستفقد هيمنتها لو فقدت النظام المالي الحالي، بنظام مالي عالمي متعدد الأقطاب، وأوروبا لا تملك مصادر الطاقة الغنية والمؤثرة التي لها القدرة المهيمنة لتشكل الأحلاف والتكتلات الاقتصادية، والنفوذ الاقتصادي العالمي، وتشكيل هيكل مالي عالمي بديلا عن الدولار. إذاً فأجندة التغير المناخي هدفها الإستراتيجي تفكيك وتعطيل هيمنة النفط والغاز وهذا ما يجعل الفرصة عظيمة وتاريخية أمام السعودية! المملكة العربية السعودية عزيزة وعظيمة بعهد النفط والغاز؛ وعزيزة وعظيمة بعصر الطاقة المتجددة بالمستقبل. ورغم أن السعودية ملتزمة بأجندة التغير المناخي، لكن بعض الأجندة حتى الآن صامدة بمواجهتها وتحشد الدول ضدها من خلال قمة ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر.
إن أمن الطاقة لدى المملكة العربية السعودية خط أحمر، والنمو الاقتصادي للدول النامية خط أحمر، والحلول من جانب واحد خط أحمر، مثل التحيز ضد النفط والغاز وتجاهل الفحم، ومثل إجبار الدول النامية للتحول للطاقة المتجددة وتحملهم ديوناً وتكاليف عالية مقابل استغلال الدول الغربية لهم بتمرير تقنياتهم وحلولهم الخاصة ودعم اقتصاداتهم. ولهذا السبب رفضت السعودية أن تتحمل الدول النامية هذه التكاليف الباهظة وطلبت من الدول الصناعية هي من تتحمل هذه التكاليف ونظام تسعير الكربون، وهذا هو السبب الحقيقي وراء أن النظام الرأسمالي هدفه الإستراتيجي أن مصادر التهديد بالنسبة له تختفي مثل النفط والغاز حتى تستمر هيمنته؛ ولكن الجانب الإيجابي أن أزمة التغير المناخي سيكون كل العالم ملتزماً فيه قانونيا، يعني أن أي قانون محلي بأي بلد يتعارض مع هذا القانون يفرض القانون الأممي، وهذا خلق فرصا للتعاون وعقد شراكات دولية لتطوير سلسلة القيمة للطاقة المتجددة، مثل ألمانيا تحديداً التي توطدت علاقة المملكة معها أكثر لهذا السبب، لأنه هناك مصلحة مشتركة طويلة الأمد ومع دول العالم المتقدمة، ومن الجوانب الإيجابية أن النظام الصناعي الجديد وشركاتنا الجديدة المتخصصة بالطاقة المتجددة رائدة ومتفوقة وعابرة للقارات ولها مكانتها وقيمتها عالمياً، والجانب الإيجابي الأهم أن الوقود الأحفوري باقٍ ويتمدد، لأن ليس فيه أي مصدر طاقة بالعالم قابل للنقل بيسر وبسهولة لأي مكان وبأي وقت عبر البحر والبحر والجو مثل الوقود الأحفوري، أما الدول الغربية التي تسعى لفرض أجندتها بالقوة وستحاول خلق صدمة مفتعلة بأسعار النفط والغاز حتى تجبر شعوبها والدول للتحول للطاقة المتجددة، وتتخلص من هيمنة الدول النفطية على مصادر الطاقة، وهم حقيقة يجازفون بإثارة شعوبهم، وتهديد اقتصادهم، وتدمير صناعاتهم ومخزوناتهم. وهذا الأمر بالنهاية سيُثير شعوبهم ويهدد أمنهم القومي فيما لم ينجح، ونهايته فوضى عالمية، ولذلك كان تحذير السعودية من أن أمن الطاقة هو القاعدة بالسياسة الخارجية؛ وهو مفتاح واستقرار وسلام ورخاء جميع الشعوب ودول العالم، ويؤكده ما قاله سمو ‫ولي العهد‬ الأمير محمد بن سلمان في قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بشرم الشيخ مؤخراً: "إنّ تحقيق الأهداف المرجوة من مبادرة الشرق الأوسط الأخضر الطموحة يتطلب استمرار التعاون الإقليمي، والإسهامات الفاعلة من قبل الدول الأعضاء للإسهام في الوصول للأهداف المناخية العالمية".




http://www.alriyadh.com/2033618]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]