إن هذا الحب والفداء والتفاني بين الشعب وحكومته الذي نراه اليوم، وهذه اللبنة الملتحمة شديدة التماسك، لم تكن وليدة اليوم فحسب، بل هي أساس تربى عليه هذا الشعب وورثه عن الآباء والأجداد كرابطة وثيقة وضعها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بينه وبين شعبه ثم توارثناها شعباً وحكومة..
غرس غرسا فأثمر، وفتح فتحا فأنور، وغسل غيوم مظلمة فانقشع الغمام، ولمع اسمه بين الأمم، فاتحا، مجددا، مصلحا ومستنيرا سابقا لعصره.. لم يكن محاطا بوسائل الإعلام، ولم تجند له لجان الدعاية والتسويق كما نراه اليوم للحكام والقادة، لكن سماته التي تكونت جينيا وعقائديا وأخلاقيا من ملامح ابن الجزيرة الفذ البطل المقدام، هي من فتحت له قلوب العالم أجمع.. فلم يكن يحسب حسابا لندٍ، ولا يقبل مظلمة لمستضعف، كما كان يعشق تراب هذا الوطن، فلم يحظَ به طامع، أو مستعمر، وإنما سعت له حينها كبريات الدول تتسابق وتتنافس على قربه وإرضائه.. إنه المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز.
يقول عنه أحد المؤرخين: "إن نبغ بين بني أمية.. عمر بن عبدالعزيز.. وبين بني العباس هارون الرشيد. وبين الأيوبيين صلاح الدين.. فقد نبغ في وسط الجزيرة العربية عبدالعزيز.. إن ثلاثة من عظماء العرب والمسلمين بل من عظماء الرجال في التاريخ العام، وصلوا إلى ذرى المجد.. ورفعوا أعلام العرب في أقاصي البلدان بتفانيهم في رفع كلمة العرب والإسلام.. ومع ذلك لم يتمكنوا من بسط سيادتهم على شبه الجزيرة العربية.. وعجزوا عن توحيدها.. توحيدًا كاملاً.. ولم يحققوا شيئًا من التطور في حياة البدو، الذين يشــكلون معظم أبنائها.. مضت أجيال وأجيال والعرب في الجزيرة كما كانوا.. لم تتغير أحوالهم الحضارية، ولم يؤثر فيهم عامل من عوامل التطور الاجتماعي والتجديد الحضاري حتى جاء عبدالعزيز.. ليجمع شملهم، ويوحد هدفهم، ويؤسس ملكًا عربيًا إسلاميّــًا هو منهم.. وفيهم.. ولهم..."
لقد اهتم جل المؤرخين بسيرة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، لكنه في بداية الأمر الملك الإنسان، وهو سره الذي فتح له كل الأبواب، والتي لو ظهرت للعامة لوجدنا إنسانا نادر الوجود على المستوى الاجتماعي والأخلاقي والعقائدي والسياسي أيضا.. فكان سر هذه الشخصية بهذا الخلود الباذخ، هو ثقته في الله عز وجل بيقين منقطع النظير، ولذلك في يوم الوطن المجيد نتحدث عن خصاله وعبقريته وهذا السر الدفين بحب الناس له ولأبنائه من بعده، حبا ومودة وإخلاصا أيضا.. يقول عنه صاحب السمو الملكي ابنه الأمير طلال -رحمه الله-: "إن عبدالعزيز ظاهرة إنسانية سياسية عبقرية ليس لها مثيل في تاريخ الإنسانية في العصر الحديث. كان زعيمًا وقائدًا محنكًا تضرب به الأمثال، وأن المرء ليحار عندما يتحدث عن عبدالعزيز، غير أن كل الذين عاصروه أجمعوا على أن أبرز صفاته عفوه عن المسيء ومعاملة أعدائه بالمعروف.. واستمالتهم بالحسنى ما استطاع إلى ذلك سبيلا.. لقد كان إذا امتلك اقترب من الناس امتلك قلوبهم. كان واضحًا، أن والدي في سياسته قد سار على برنامج معين محدد هو أنه إذا انتصر على خصومه عسكريًا لم تأخذه نشوة الغرور ولا تمتلكه زهوة الانتصار".
لقد وحد المملكة كلها بحكمته، واقترابه من قلوب محبيه، وكان ذلك واضحا في خطاباته لشعبه المحب له والشغوف بصلاحه وبإصلاحه وإصلاحاته، وبتمسكه بتعاليم دينه وبأخلاق العرب الخُلّص.
المغفور له بإذن الله لم يكن قائدا أو حتى فارسا فحسب، وإنما كان عبقريا حكيما سياسيا ومحنكا أيضاً.
هذه الشخصية الفذة هي لم تؤسس دعائم الدولة فحسب، وإنما أسست فلسفة حكم اتبعها أبناؤه من بعده تنفيذا لمفهوم معنى بناء الدولة لديه على أسس أخلاقية ودينية وإنسانية. هذه المحاور الثلاثة التي زرعها -رحمه الله- في أبنائه هي التي شكلت دولة نموذجا ينظر إليها العالم الآن بكل احترام ويتطلع إلى قربها وكسب ودها، لما لها من قواعد أساسية وأخلاقية نبعت من دعائمها الثلاث التي وضعها المغفور له بإذن الله.
إن هذا الحب والفداء والتفاني بين الشعب وحكومته الذي نراه اليوم، وهذه اللبنة الملتحمة شديدة التماسك، لم تكن وليدة اليوم فحسب، بل هي أساس تربى عليه هذا الشعب وورثه عن الآباء والأجداد كرابطة وثيقة وضعها المغفور له بينه وبين شعبه ثم توارثناها شعبا وحكومة.
ونحن اليوم نحتفل بيوم التأسيس، كان لزاما علينا تتبع سمات هذا المؤسس الفذ. وكيف اتبع أبناؤه حفظهم الله من بعده هذا النهج وكيف سار أيضا هذا الشعب على نفس النهج، نهج زرعه وأسس له المغفور له في نفوسهم، فكانت النهضة تزداد يوما بعد يوم والشعب يزهو بما تحققه دولته من تقدم وازدهار حتى أصبحت اليوم في مصاف الدول العظمى، لما يتحقق من تطور على يد خادم الحرمين وولي عهده -حفظهما الله-، لأنهم في حالة فخر وحب وثقة توارثوها. وهذا سر شخصية الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وحفظ لنا خادم الحرمين وولي عهده الأمين وسدد خطاهم فيما نلمسه من دهشة في عيون العالم أجمع من إنجازات.




http://www.alriyadh.com/2033966]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]