وقت دراستي في التعليم العام، كنت أحب المشاركة في مسابقات الخطابة والإلقاء على مستوى مدراس المنطقة، كان الأستاذ نادر معتوق مسؤولاً عن الأنشطة الطلابية والتحكيم في مدينة جدة، كان من الدارج أن يشارك الطلاب بقصيدة شعرية لإظهار المشاعر المختلفة وطبقات الصوت المتنوعة، شاركت بقصيدة طويلة حفظتها عن ظهر قلب، بعد أن انتهيت من إلقاء القصيدة الطويلة العصماء، تحدث إلي الأستاذ نادر مشفقاً وناصحاً: "يا بني، نحن لسنا في زمن أم كلثوم وعبدالحليم حافظ حيث الناس تجلس الأوقات الطويلة لتستمتع بالطرب والألحان، الناس تفتقد إلى الصبر وطول البال في هذا الزمن، إلقاؤك جميل لكن طول القصيدة قد يحرمك من الفوز في التصفيات النهائية، ونصيحتي لك أن تبحث عن قصيدة أقصر وتختصر وقت الإلقاء!"، واليوم وبعد هذه السنوات الطويلة، أتساءل ماذا كان سيقول أستاذ نادر للطلبة عن الخطابة والإلقاء في عصر تطبيقات الفيديوهات القصيرة مثل: التيك توك وأخواته..
في الحقيقة ما ذكرني بهذه القصة هو موقف حصل لي مع أحد الموظفين والذين بعث لي إيميلاً طويلاً جداً. لم أستطع أن أستوعب أو اتخذ أي قرار.. فما كان مني إلا أن رددت عليه: "فضلاً أعد كتابة الإيميل في ثلاثة أسطر توضح فيها المشكلة، وما الحل المقترح، وما الإجراء المطلوب من جانبي؟". وفعلاً تمكن الموظف من اختصار ذلك الإيميل الطويل وتمكنت من الرد عليه بالتوجيه الذي كان يحتاجه حيال تلك المشكلة، بطبيعة الحال لا يمكن أن نتوقع إمكانية تطبيق هذا الأسلوب دائماً فالحالات تختلف والظروف تتطلب أحياناً إسهاباً للشرح وتوضيح الأمور.
ولكن، يجب علينا أن نقر أن قوة التركيز لدى المديرين وكثير من البشر عموماً تأثرت كثيراً في ظل التغيرات المهولة بسبب ثورة وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية، ففي مقال منشور بمجلة التايم للكاتب كيفن ماكسبادين بتاريخ 14 مايو 2015م، يشير إلى أن متوسط ​​مدة انتباه السمكة الذهبية سيئة التركيز يبلغ تسع ثوانٍ فقط، ولكن وفقًا لدراسة أجرتها شركة مايكروسوفت فقد كان الناس يفقدون التركيز بشكل عام بعد ثماني ثوانٍ مما يعطي مؤشراً واضحاً على تأثيرات نمط الحياة الرقمي المتزايد على الدماغ. أما في عام 2017م، فيشير تقرير لمحطة سي إن بي سي CNBC إلى أن مدة انتباه شباب الألفية انخفضت إلى خمس أو ست ثوان فقط! وفي دورة حضرتها قبل عدة سنوات في لندن، أكد المحاضرون أن المدة الزمنية المتاحة للفت انتباه الجمهور في دعايات مواقع التواصل الاجتماعي هي ثلاث ثوان فقط لا غير...
بطبيعة الحال لست هنا لأحكم على أنماط الحياة والتغيرات الاجتماعية والتسونامي المعلوماتي والرقمي الذي اجتاح العالم، ولكن من المهم التسليم بأن هذا الواقع بات يؤثر على شخصيات المستهلكين والموظفين وكل واحد منا، والمديرون ليسوا استثناء من هذه المعادلة.
وباختصار، من الضروري أن لا يغرق المديرون والقياديون في أمواج نمط الحياة المستعجل والمشتت ومعدل الانتباه القصير وذلك باتباع نظام صحي وحياة متوازنة تساعده على الحفاظ على صلابته النفسية وصفاء ذهنه والقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة. وبالمقابل، فعلى من يتعامل مع المديرين والقياديين أن يتفهم طبيعة الضغوط وعجلة الزمن المتسارعة والتي تتطلب القدرة على تلخيص المواضيع وتركيز العرض وتبسيطه بطريقة واضحة تسهل من عملية اتخاذ القرار.
وختاماً، تذكر أن في العجلة الندامة عند اتخاذ القرار الحاسمة حتى في زمن التيك توك وأخواته..




http://www.alriyadh.com/2033969]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]