في الأسبوعين الماضيين بدأت سلسلة مقالات وعدت أن أستمر فيها لطرح بعض ما استفدت منه وتعلمته في الحياة الوظيفية على مدى نحو 40 سنة، علها تفيد النشء كعبر وليست دروسا، فقد قلت إنني أستشهد بعبرة ولا ألقي دروسا، وهي عبر تعلمتها من عملي في عدة جهات، فلا مجال للاعتقاد أنني أقصد جهة بعينها أو شخصا بعينه، فقد عملت مع عدة أشخاص فخرجت بعدة عجائب وعبر، وهنا أطرح العبرة الثالثة:
في زماننا كان المدير يختار شخصا ضعيفا ويوكل إليه المهام ويجهزه لتولي المهة في غيابه وإجازته ثم يرشحه نائبا له، ونحمد الله سبحانه أن هذا السلوك الوظيفي شارف على الاختفاء.
ومن أعجب ما رأيت أنه ما من مدير أناب شخصا لعلمه بضعفه (فلا يخشى منه) أو لقرابته أو لمصاهرته ليأمن جانبه ويستأمنه على أسراره ويضمن ولاءه، وقدمه على غيره من الموظفين الأكفاء المستحقين المؤهلين، إلا صار نائبه وبالاً عليه ومحاربا له رغبة في منصبه، لأن الضعيف في نفسه ضعيف في قيمه وأمانته وحتى ولائه وامتنانه (عكسه القوي الأمين) لذا فمن السهل أن ينقلب ضدك، وقد رأيتها، وربي، رأي العين، فكم من مدير قدم ضعيف قدرات وضعيف نفس وضعيف شخصية وضعيف تأهيل على غيره من المؤهلين فكان وبالاً عليه أثناء عملهما معا، أما الأكثر غرابة وعجبا فهو أنهما حين يفترقان ويتولى النائب الإدارة خلفا للمدير فإنه ينقلب إلى ضده وتنشأ بينهما عداوة وعناد و(استقعاد) يعجب منه صغار الموظفين قبل كبارهم، (لعلها عقوبة إلهية لظلم المستحقين من الأقوياء الأمينين، فإن خير من استأجرت القوي الأمين).
أما (الشللية) في الحياة الوظيفية فقد رأينا منها العجب، فقد كان المدير يحيط نفسه بشلة من الأقارب والأصهار وأهل القرية ومن ينتفع منهم في تجارة أسهم أو عقار، ويجعل هذه الشلة ذات سيطرة ونفوذ وهيبة ومن المقربين، يمشون معه إذا مشى ويقفون إذا وقف ولهم حظوة في المميزات والترقيات والانتدابات.
ومن عجائب وبال سوء العمل وخبث النيات، أنه ما من مدير فعل ما ذكرت إلا سقط وفشل بفعل شلته وأخطائهم وإهمالهم فيغلقون أبوابهم عن المراجعين وينشغلون بأسهمهم وتجارتهم ومصالحهم ويركنون لعلاقتهم بالمدير، ويقصرون في علاقتهم بربهم بإهمال مصالح الناس ومصلحة الوطن فتفشل المؤسسة ويفشل المدير ويكونون أول من يتخلى عنه.
العبرة هي: أخلص في عملك بما يرضي ربك وينفع وطنك وأهله ولا تُنِبْ ضعيفا لضعفه ولا تقربْ شلة لمصالح شخصية واستأجر القوي الأمين وكن قبل ذلك أمينا.




http://www.alriyadh.com/2039796]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]