نسبة السمنة المفرطة بين السعوديين مرشحة للارتفاع من 32 % إلى 57 % في العام 2035، وفق المرصد العالمي للسمنة، وستكون المملكة ضمن العشرة الكبار الأكثر بدانة على مستوى العالم، وبالتأكيد ستنتقل من المركز الرابع خلف الكويت وعمان وقطر إلى المركز الأول خليجياً وربما عربياً..
في جلسته ليوم الثلاثاء 24 أكتوبر الجاري، طالب مجلس الشورى السعودي بجملة من الأمور، لعل أهمها - في رأيي - هو إقرار استراتيجية وطنية عاجلة لمكافحة السمنة بين المواطنين، وتقنين الاستهلاك المبالغ فيه للسكريات في المشروبات والأغذية، لأنهما عاملان أساسيان في حدوثها، والسابق يشبه ما نشرته صحيفة (ديلي ميل) البريطانية في سبتمبر من العام الحالي، وتمت المطالبة فيه بفرض ضريبة على الملح والسكر لمحاربة السمنة وأمراضها، أو استبدالها بضريبة ثانية على أغذية غير أساسية، كالحلويات والكعك ورقائق البطاطس والوجبات الخفيفة، وقالوا إن هذا سيخفض عدد مصابي السمنة المفرطة من البريطانيين بنسبة 10 %، ويوفر على الدولة مبالغ تقدر بنحو ثلاثة مليارات جنيه إسترليني سنوياً، وفي 2010 فرضت الحكومة البريطانية ضريبة على المشروبات الغازية، ونجحت في إجبار شركاتها على خفض السكر الإجمالي في مشروباتها، وبنسبة تزيد على 34 %، مع العلم أن بريطانيا تنفق على علاج أمراض السمنة كل عام ما يصل إلى ستة مليارات وخمس مئة مليون جنيه إسترليني، وبالتالي فالضريبة المقترحة ستخدمها كثيراً.
بخلاف أنه وفي دراسة أجراها مستشفى تعليمي بمدينة بوسطن الأميركية، في مايو 2023، اتضح أن الأطفال الذين يتناولون الوجبات السريعة لأسابيع، أو ما يعرف بـ(الأكل القمامي)، يتأثر المخ لديهم، ويصابون بأعراض قريبة من إدمان المخدرات، ما يجعلهم يرفضون الأكل الصحي ويصرون على (الجنك فود)، وهذا النوع من الأنماط الغذائية، يمثل واحداً من أهم العوامل البيئية التي تفاقم مشكلة البدانة في المنطقة والعالم، في حال استثناء العوامل الوراثية والدوائية واضطرابات الغدتين الدرقية والكظرية، ما يفسر توقع المختصين، إصابة 51 % من سكان العام بزيادة الوزن والبدانة في الاثني عشر عاماً القادمة، ووفاة أربعة ملايين شخص بسببها كل عام، وحذرت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 160 مليون شخص من البالغين والأطفال ستتراجع صحتهم بفعل زيادة الوزن والسمنة في أواخر العام المقبل 2024.
الأطعمة التي يتناولها الناس بصفة مستمرة في المملكة، تحتوي على كميات مرتفعة من السعرات الحرارية، وفيها نسب عالية من النشويات والسكريات والدهون، ضمن المعروفة بالمأكولات فائقة التصنيع، وهذه المنتجات الغذائية الغربية دخلت إلى السوق الخليجية باسم العولمة والتجارة الحرة، وتلاعبت بأذواق الناس، وساهمت في زيادة معدلات البدانة العالمية، وبمقدار ثلاثة أضعاف خلال الثلاثين عاماً الماضية، وأهل الخليج يتأثرون بدرجة أكبر، بسبب الأجواء الحارة والرطوبة في مدنهم الرئيسة، والتي تحرض على قلة الحركة، وعلى عدم تفضيل الأنشطة الخارجية معظم العام، والجمعية الخليجية لجراحة السمنة قدرت نسبتها بقرابة 70 %، على امتداد دول الخليج، والرقم غير مريح.
تاريخ الإنسان مع البدانة بدأ قبل 300 ألف عام، وتحديدا عند اكتشاف تمثال (فينس أوف ويلندورف) صاحب الجسم المترهل في النمسا، والذي يعود تاريخه إلى تلك الفترة، والحضارات القديمة على اختلافها، لم يكن الناس فيها ممشوقي القوام كما تظهر المنحوتات، وإنما كانوا بدناء يرغبون في تخليد صورة مثالية لهم، وبالأخص النافذون والميسورون ومن يقومون بالأعمال المكتبية.
حتى أن العالم اليوناني أبقراط أبو الطب في العالم، اعتبر السمنة في زمنه بمثابة مرض خطير، وأنها مؤشر على الوفاة المبكرة لصاحبها، إلى جانب التحذيرات التي تناولتها معظم الأزمنة والمخطوطات، وبالأخص في كتابات العهد القديم والجديد والحضارات المسيحية، وفي المقابل، كان التسمين وسيلة لتجميل المرأة والترغيب فيها، وتحسين فرصها في الزواج من الوجهاء وزعامات القبائل المحلية، وقد حصل هذا بالفعل في جنوب إفريقيا وأفغانستان وموريتانيا ودول جنوب المحيط الهادي، والاعتراف الأممي بالسمنة كمرض جاء متأخرا جدا في العام 2013.
نسبة السمنة المفرطة بين السعوديين، مرشحة للارتفاع من 32 % إلى 57 % في العام 2035، وفق المرصد العالمي للسمنة، وستكون المملكة ضمن العشرة الكبار الأكثر بدانة على مستوى العالم، وبالتأكيد ستنتقل من المركز الرابع خلف الكويت وعمان وقطر إلى المركز الأول خليجيا وربما عربيا، وبحسب الأرقام المحلية، يمكن اعتبار منطقتي الرياض ونجران من المناطق الأكثر سمنة في المملكة، وطيف أمراض السمنة يشمل دهون وتليف الكبد، والفشل الكلوي، والضغط والسكري من النوع الثاني، والكوليسترول، وحوالي 240 مرضا، ويتساوى الكبار والصغار في الإصابة بما سبق، ولا بد من حلول عملية لمواجهة هذه الإشكالية، فالثابت وبشهادة المختصين أن النظام الغذائي الصحي وممارسة الرياضة بانتظام لا يكفيان وحدهما لمعالجة السمنة، لأن الوزن قد يعود وبزيادة ملحوظة، وبمجرد رجوع الشخص إلى الأكل الطبيعي، ووصوله إلى الوزن الذي يريده، ويسمون هذه الانتكاسة بـ(اليويو دايتنغ)، وأكدت التجارب ضرورة استخدام الأدوية والجراحة في حالات كثيرة، باستثناء (حوارق الدهون) لأنها كذبة، فلا يحرق الدهون إلا المجهود العضلي، ومعهما اعتماد برنامج غذائي صحي، والأهم الالتفات لمقترح مجلس الشوري السعودي، ووضع استراتيجية وطنية شاملة ومحددة بزمن ومستهدفات لمكافحة السمنة.




http://www.alriyadh.com/2040467]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]