خلال الفترة الماضية غير البعيدة نسبياً؛ قرأت عدداً من الروايات السعودية، ولأهداف مختلفة منها المتعلقة بالقراءة الخاصة، ومنها المرتبط بالكتابة البحثية أو الصحفية، وكنت خلال كل قراءة أخرج ببعض الأسئلة التي نسيت معظمها، وظل بعضها عالقاً دون إجابات، وتحولت من أسئلة إلى تساؤلات، فمن الأشياء التي استوقفتني وأثارت فضولي وجود عدد من الروايات تحدثت عن الأوضاع المعيشية والاجتماعية الصعبة على امتداد الرقعة الجغرافية للمملكة تقريباً، وممن كان يعاني من هذا الواقع الصعب؛ المزارعون الذين كانوا يضطرون لرهن مزارعهم مقابل دين يسدون به حاجتهم وحاجات أسرهم، ويكون هذا الدين مرتبطاً سداده بوقت الحصاد، فإذا كان الموسم -أي موسم الحصاد- وافراً أو فيه حد الاكتفاء لسداد الدين سارت الأمور على ما يرام إلى حد ما. لكن إذا لم يكن الموسم كما هو المؤمل فإن مصير المزرعة المرهونة استيلاء الدائن عليها بموجب الاتفاق المبرم.
هذه الواقعة المتكررة لاحظت أنها تروى غالباً أو لنقل دائماً من زاوية مالك الأرض ذلك الرجل الذي انحنى ظهره وهو بين مزرعته ومحراثه أو من زاوية تلك المرأة التي ذبل شبابها وانطفأ جمالها بين مزرعتها وأطفالها الذين ينتظرونها لتضع في أفواههم لقمة تقيم صلبهم!
والتساؤل المتولد عن هذه الحقيقة، فهي ليست سردية افتراضية، التساؤل: أين ذلك التاجر الجشع الذي صادر مزرعة ذلك الأب وتلك الأم؟ أين هو في الواقع وأين هو في الواقع الروائي؟ نحتاج أن نعرفه أو نعرف أحداً من طرفه يروي لنا نصف النص المفقود!
كيف نظر إلى موقفه في حينها، وكيف ينظر إليه الآن؟ نريد أن نقرأ تبرير هذا الفعل الذي قام به من زاويته السردية ومن زاويته الإنسانية. نريد أن نعرف كيف كان يفكر وكيف كان ينظر إلى هؤلاء المعوزين الذين كانوا يمثلون نسبة كبيرة قبل أن تتوحد البلاد ويعم الرخاء، ومن ثم يغتني هؤلاء المكافحون من أجل لقمة عيشهم، ويصبحون أدباء أو آباء لأدباء كتبوا قصصهم أو قصص آبائهم بكل شموخ واعتداد، فالفقر لم يكن عيباً، والسعي في طلب الرزق كرامة وضرب مفيد في الأرض.
هل افتقر أولئك التجار مالياً وأدبياً فلم يعد لهم وجود، ولم يعد لهم امتداد يكتب من زاويتهم ويبرر مواقفهم؟ الرواية مفتاح الحياة بأبوابها المختلفة وبرواتها المتعددين، ونقص روائي واحد يعني أن هناك مساحة من الزمان والمكان والقصة لم ترو بعد أو أنها رويت ولم أجدها فيما وقع تحت نظري وبين يدي من الروايات.




http://www.alriyadh.com/2048846]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]