مع غروب شمس يوم الجمعة الصاخب في باريس، يمتلئ الهواء البارد بأنفاس المترقبين الساخنة، داخل المقر الأنيق للشركة الفرنسية الناشئة (ميسترال)، يجتمع الفريق حول شاشة كبيرة تعرض الأرقام النهائية لجولة التمويل الأخيرة، يصرخ أحد أعضاء الفريق احتفالاً ودهشة بالتقييم التاريخي الكبير لقيمة الشركة: 2 مليار يورو! تندلع الغرفة بالهتافات والتصفيق الحار. في قلب نجاح ميسترال الأخير تقع فلسفتهم الرائدة: مشاركة تقنية الذكاء الاصطناعي كبرنامج مفتوح المصدر للجميع. الخطوة الجريئة بتبني منهج المصدر المفتوح جعل من ميسترال منارة في عالم التقنية، حيث توفر الموارد لكل من أراد إنشاء روبوتات الدردشة الخاصة به.
في الوقت نفسه، في زاوية من الغرفة المبتهجة، يشارك مؤسس الشركة وصاحب رؤيتها تطلعاته الصريحة مع فريقه الصغير الذي يبلغ 22 موظفاً فقط. يقول منش: أقر بأن ميسترال لم تحقق أرباحاً بعد، لكن ثقتي في المستقبل لن تهتز. وبابتسامة العارف، وهو يستعد للكشف عن منصة جديدة تمنح عملاءه قدرة الوصول إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم، يتوقع منش تغييراً في أرباح الشركة قبل نهاية العام.

لا يقتصر هذا الاحتفال في باريس بميسترال فقط، بل يتعلق بحركة ازدهار عامة. يتحدى الاتجاه الناشئ بتبني المصدر المفتوح سيادة عمالقة التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي بدعم من عدد لا يحصى من الشركات. تهدف حركة تبني المصدر المفتوح، بكل ما تعد به من حرية وما يدفع بها من عزيمة، إلى جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع بأسعار معقولة، في مواجهة الشركات الكبرى التي يشتد احتكارها لأدوات الذكاء الاصطناعي مع نجاحاته الكبيرة مؤخراً.

في فرنسا، يعد صعود ميسترال رمزاً وطنياً لمستقبل مشرق طال انتظاره، في نظر شخصيات بارزة من قادة الاقتصاد الفرنسي مثل وزير المالية برونو لو مير، تصعد الشركة باعتبارها منارة لفرنسا لتنافس عمالقة التقنية الأميركيين. أوروبا التي شهدت عدداً قليلاً من المشاريع التقنية الكبيرة، ولم تسهم في طفرة الإنترنت إلا متأخراً، ترى الذكاء الاصطناعي فرصتها الذهبية لتأسيس وجود كبير لها في عالم التقنية.

رغم كل ما يوحي به هذا الإنجاز، إلا أن الجميع لا يشاركهم الحماس نفسه. في وادي السيليكون، يراقب المنافسون مثل شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح وغوغل الأخبار عن كثب، حيث تصطخب مجالس إداراتهم بالنقاش، في جدل يتردد صداه في شركات أخرى، يخشى المشككون من أن نهج ميسترال المفتوح المصدر سيف ذو حدين، خوفاً من أن يؤدي انتشار التقنية بالمصدر المفتوح إلى وصولها لمن يسيء استخدامها في نشر المعلومات المضللة والمحتوى الضار، ما بين شركات تفتح تقنيتها للمنافسين وشركات تلتف منغلقة على نفسها شيئاً فشيئاً، يسطع التباين بصرامة ووضوح: بينما تحتفل ميسترال في باريس بدخولها إلى نادي عمالقة التقنية، يفكر منافسوها الكبار ماذا يعني لهم أن يكون الذكاء الاصطناعي مفتوحاً للجميع؟




http://www.alriyadh.com/2048958]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]