يروي الخبير الدولي وعالم الاقتصاد الدكتور إبراهيم عويس -رحمه الله- والذي حاضر في عدد من الجامعات الأميركية، قصة عن رجل افتتح بنكاً خاصاً في الغرب الأميركي وبدأ يقدم خدماته لتلك المنطقة والقرى والمزارع المجاورة، وفي أحد الأيام جاء مزارع ليطلب قرضاً بعشرة دولارات، ووافق موظف البنك على شرط أن يكون هنالك أصل مرهون مقابل القرض، رد المزارع بأنه لا يملك أي أصل يمكن رهنه ما عدا حماره -أجلكم الله- والذي جعل الموظف يحتار ويتردد في القرار، ولما شاور الموظف مديره وصاحب البنك أجابه بأنه لا مانع فالحمار يعتبر أصلاً جيداً، فصدرت الموافقة وتمت المعاملة وتسلم المزارع العشرة دولارات.
ولكن عند وقت سداد القرض، جاء المزارع إلى البنك وقال إنه لا يمتلك مالاً ليسدد الدين الذي عليه من البنك، عندها طلب الموظف من المزارع أن يحضر حماره الذي تم رهنه، بيد أن المفاجأة كانت أن الحمار مات صباح ذلك اليوم! أسقط في يدي الموظف المسكين وهرع إلى مديره ليشتكي له من حالة تعثر السداد وخسارة البنك، فكر مدير البنك ملياً ثم قال لموظفه: "لا بأس.. استلم الحمار بدل القرض!"، تعجب الموظف وصاح: "ولكن الحمار ميت يا سيدي ويعتبر الآن أصلاً سيئاً!"، أصر المدير على موقفه وطلب من موظفه أن يستلم الحمار على شرط أن لا يتكلم المزارع ولا يخبر أحداً عن موت حماره.

بطبيعة الحال خرج المزارع منتشياً سعيداً بتلك النتيجة، أما الموظف فعاد يجر أذيال الخيبة إلى مديره بسبب تلك الصفقة الخاسرة والأصل السيئ المتمثل في الحمار الميت، ولكن مدير البنك طلب من موظفه أن ينتظر ولا يستعجل في الحكم.
طلب المدير من موظفه أن يعلن أن البنك يطلق مسابقة يا نصيب وسحب على جائزة كبرى متمثلة في حمار المزارع ويمكن دخول السحب عبر شراء تذكرة بقيمة دولار واحد فقط، تعجب الموظف قائلاً: "ولكن الحمار ميت يا سيدي!"، فرد عليه بأنه لا أحد من أهالي المنطقة والقرى المجاورة يعلم ذلك، وقاموا بإصدار ألف تذكرة يا نصيب على حمار المزارع وبيعت كلها بقيمة ألف دولار إجمالاً.
وفي يوم إعلان النتائج فاز أحد القروين في السحب ولما جاء إلى البنك ليستلم جائزته انصدم من رؤية الحمار ميتاً بلا حراك، وبطبيعة الحال اعترض واعتذر عن استلام هذه الجائزة، فراح مدير البنك يعتذر منه بسبب الظروف القاهرة وأعاد له مبلغ الدولار الذي دفعه ثمن تذكرة اليانصيب.

وبعد أن غادر القروي الفائز، نظر المدير إلى موظفه وقال: "لو قاضينا المزارع الذي استدان منا لربما فزنا واستعدنا عشرة دولارات، ولكن الآن انتهى بنا الحال إلى أننا كسبنا 999 دولار".
اعترض الموظف بقوله: "ولكنك يا سيدي وزعت الأصل السيئ المتمثل في الحمار الميت على كل الأهالي!"، فرد المدير: "الأصول السامة يجب أن يتشارك فيها الكل، لأنه ستكون مميتة إذا أكلها شخص واحد، ولكن بالنسبة لي أن يمرض الجميع أفضل من أموت أنا وحدي! لا يهم كم تذكرة يا نصيب سأطبع سواء كانت ألف أو مليون أو حتى مليار تذكرة، سيظل الأهالي يطلبون هذه التذاكر طالما أنهم لا يعرفون أن الحمار ميت!".
في الواقع، ما صنعه مدير البنك ليس ذكاء ولا دهاء بل هو تحايل وتلاعب وفساد على أعلى المستويات بتزوير الحقائق وتضليل الجمهور. وتعاني الكثير من بيئات العمل من سلوكيات مشابهة تتمثل في مديرين فاسدين يخفون المشكلات والمصائب في أرض الواقع عبر تجميل التقارير والتلاعب في الأرقام ومحاولة إيصال رسائل إعلامية كاذبة بأن الأمور تسير على ما يرام مهما كان الواقع كئيباً والنتائج كارثية.
وباختصار، كان المدير الذي باع الحمار الميت سعيداً لأنه حقق انتصاراً شخصياً مقابل خداع وخسارة الكثير من الناس الأبرياء، وهنالك الكثير من المديرين الفاسدين السعداء بظلم الآخرين والتعدي على حقوق الموظفين وخداع المسؤولين، ولكن وإن تظاهر هؤلاء المديرون الفاسدون بعكس ذلك فسيظلون يحتقرون أنفسهم ويعانون من لعنة المال الحرام ودعوات المظلومين التي ستصيبهم عاجلاً أم آجلاً. ومهما برعوا في الخداع فحبل الكذب قصير، وستنكشف الألاعيب لأنه مهما استخدموا من عطور ومعقمات، فلا يمكن إخفاء الرائحة الكريهة لجثة الحمار الميت أجلكم الله.




http://www.alriyadh.com/2049921]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]