إن زيادة أعداد المواليد ليست ترفاً وإنما ضرورة، لأن النقص سيضر بالاقتصاد السعودي، ولن يمنحه الأعداد الكافية من الشباب في سن العمل، لمواكبة قفزاته التنموية المتلاحقة، والتي ما زالت في بداياتها..
أظهرت إحصاءات صدرت عن الأمم المتحدة مؤخراً أن أعداد المواليد في المملكة تراجعت في العام الجاري بنسبة 67 %، وذلك استناداً لأعدادهم في العام 1950، فقد كانت تقدر في ذلك العام بنحو 53 ولادة لكل ألف شخص، بينما لا تتجاوز الأعداد في هذه الأيام 15,7 ولادة، وبانخفاض وصل إلى قرابة 3 % مقارنة بأرقام 2022، والسعوديون يشغلون الترتيب الثاني في معدل الخصوبة والمواليد بين دول الخليج بعد سلطنة عمان، والترتيب الحادي عشر عربيا، والمئة واثنين عالميا، وهم أفضل من الصينيين في هذا الملف الحساس.
فقد تراجعت أرقام مواليد الصين عن الفترة نفسها بنسبة 80 %، إلا أن كوريا الجنوبية تظل صاحبة الرقم القياسي، بتراجعها الكارثي وبنسبة 86 %، وتعتبر النيجر الأقل تضررا والأكثر خصوبة على مستوى العالم، وبنسبة تراجع لم تتجاوز 10%، والدول الإفريقية تشغل قائمة العشرة الكبار في معدل الخصوبة والولادات المرتفعة، وإفريقيا ستكون مسؤولة عن 62 % من زيادات السكان المستقبلية، وللمعلومية الصدارة العربية مسجلة باسم السودان واليمن والعراق وفلسطين.
انخفـــاض الولادات لا يمكن وصفه بالأمر الجيــد، والدليــل إقرار الصين لسياسة الطفل الواحد في 1980، ومن ثم الرجوع عنها بإقرار سيــاسة الطفليــــن في أواخر 2015، وسياسة الثلاثة أطفال في نهاية 2021، فقد ترتب على سياسة تنظيم النسل الصينية، والاكتفاء بطفل واحد طوال 35 عاما، اختفاء ووأد ما يزيد على 60 مليون طفلة صينية، لأن الإنفاق عليهن بلا منفعـــــــة، وتفضيل الذكور عليهن لأسباب اقتصادية خالصة، وتحديداً في المناطق الريفية، وحتى بعد إقرار سياسة الثلاثة أطفال ازدادت الأمور سوءا، وانخفضت أعداد السكان بأكثر من 850 ألفا في 2022، والسبب زيادة عدد الوفيات على المواليد، لأول مرة منذ 60 عاماً، لأن قاعدة الهرم السكاني الصيني أصبحت مقلوبة، ويمثل فيها كبار السن غالبية المجتمع.
هذه الفجوة الديموغرافية غير موجودة في أي دولة، والمتوقع انكماش الصينيين إلى قرابة 767 مليون في 2100، وكل ما سبق سيدخل الصين في أزمة كبيرة ما لم تعدل وضعها، وتعمل على استحداث حوافز ومزايا إنجابية، فانخفاض السكان في سن العمل، والذي وصل إلى 62 % من إجمالي السكان، والأرقام في تراجع مستمـــر، سيجعــــل حجم المعروض من العمالة في السوق أقل، وسيــــؤدي إلى ارتفاع أجورهم، ويفقد الصين ميزتين اعتمدت عليهما في إقامة إمبراطوريتها الاقتصادية، وهما العمالة والمنتجات قليلة الكلفة، وسيؤدي إلى تراجع معدلات الإنفاق الاستهلاكي، لأن كبــــــار الســـن يدخرون ولا يستهلكون، وعدم رغبة الصينين في الزواج أو تأخيره، سيــــؤثر على قطاع العقار الصيني، والذي يستثمر فيه الصينيون 70% من ثرواتهم، واهتزازه مربك.
كوريا الجنوبية لديها معاناة مشابهة، ولدرجة أن الحكومة الكورية، تصرف مكافأة لمواطنيها، قدرها 1700 دولار، عن كل حالة حمل، فمعدل الخصوبة الكلي عند الكوريين، وصل إلى ثمانية أعشار طفل لكل امرأة، بعدما كان في 1980 يقدر بـ 4,53 أطفال، والسبب نفور الرجال من الزواج وأعبائه المالية والاجتماعية، والبحث عن إشباع عاطفي بلا التزامات، ورغبة النساء في الزواج والإنجاب في سن متأخرة، لاعتقادهن بأن ما سبق سيعطل من فرص نجاحهن وتقدمهن المهني، ولن يؤمن لهن الاستقلال المالي الذي يريدونه، وقبل 33 عاما أو في 1990 كان الكوريون والكوريات يتزوجون في الفترة ما بين 25 و28 عاماً، أما اليوم فالأعمار ارتفعت لما بعد الثلاثين، والمواليد إن حضروا لا يزيدون على طفل واحد، تعقم المرأة نفسها بعد إنجابه، ووفق إحصاءات 2022، الكوريون في سن العمل أعدادهم لا تقل عن 37 مليونا من أصل 52 مليونا، إلا أن التقديرات تشير إلى تراجع إجمالي السكان فيها، لقرابة 24 مليونا عام 2100، وهذا مؤشر خطير سيؤثر على رابع أكبر اقتصاد في آسيا.
في ألمانيا وكندا وأميركا، ينظر لفتح باب الهجرة، وتجنيس المهاجرين من أصحاب الكفاءات، بوصفه حلا مثاليا لمعالجة مشكلة الولادات والخصوبة المتراجعة، والغربيون يفكرون في مصروفات الطفل قبل ولادته، وبحسب مؤسسة بروكينغز في أميركا، تصرف العائلة الأميركية على الطفل الواحد، منذ ولادته وحنى إكماله ثمانية عشر عاما، ما يزيد على 310 آلاف دولار، ولا أتصور أن العرب يفكرون في حسابات من هذا النوع، ما يفسر تفضيل الأميركيين لإنجاب طفل أو طفلين، والمملكة تتفوق على دول أوروبا وأميركا في معدل الولادات، ومن الأدلة أن خصوبة الأميركيين لا تتجاوز 1,7 مولود لكل امرأة، وأقل من معدل الإحلال العالمي والمقدر بـ2.1، والسعوديون قاربوا المعدل قليلا، ولكنهم لم يصلوا إلى الطريقة الأميركية في التخطيط المستقبلي لما بعد الولادة، مع ملاحظة أن زيادة أعداد المواليد ليست ترفا وإنما ضرورة، لأن النقص سيضر بالاقتصاد السعــــــودي، ولن يمنحه الأعداد الكافية من الشباب في سن العمل، لمواكبة قفزاته التنموية المتلاحقة، والتي ما زالت في بداياتها.




http://www.alriyadh.com/2050912]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]