بينما يوشك عام 2023 على الرحيل، تبدو الفرصة سانحة للاستفادة من بعض الدروس الاقتصادية، وبلغة الأرقام التي لا تكذب، وكشف حساب الأرباح والخسائر، كما الشركات، والواقع أن توقعات هذا العام لم تكن استثناءً من الأعوام السابقة، فقد طاش معظمها، وسقط في بئر سحيق، وعلى سبيل المثال، فقد بدأ عام 2023، بترجيح بعض الخبراء حدوث ركود معتدل في الولايات المتحدة، وركود أعمق في أوروبا، وانتعاش قوي في الصين، بينما الواقع يشير إلى أن أميركا لم تشهد أي ركود، فيما لم تتمكن أوروبا من إدارة الموقف بشكل أفضل مما كان متوقعاً، أما الصين فتناضل من أجل استعادة نموها المتعثر، والحقيقة، أن عام 2023 أعطى الفرصة للكثيرين من أجل استعراض مهاراتهم في التحليل وتصدر الشاشات، بداية من الإخفاقات المصرفية للبنوك الأميركية والسويسرية، ومروراً باستفحال خطر الذكاء الاصطناعي، وانتهاءً بتحديد المدى الزمني لانتهاء التضخم، ومستقبل أسعار الفائدة.
وبلغة الأرباح، فقد استلم عام 2023 الراية، مع وصول الاقتصاد العالمي إلى عتبة الـ100 تريليون دولار، فزادها إلى 105 تريليونات دولار، أي أنه رفعها بمقدار 5 تريليونات دولار، وبالقيمة الاسمية، فإن ذلك يمثل زيادة بنسبة 5.3% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومن حيث التضخم المعدل، فإن ذلك يعني ارتفاعاً بنسبة 2.8٪، وبالرغم من أن 2023 بدأ باضطرابات سوقية حادة، فجرها اهتزاز البورصات المالية عقب انهيار أربعة بنوك أميركية متوسطة الحجم، بالإضافة إلى بنك كريدي سويس السويسري الشهير، حتى اضطر قطاع المصارف العالمية إلى شطب 62 ألف وظيفة في 2023، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أسعار الفائدة، إلا أن بعض الاقتصادات أثبتت مرونتها، وعلى سبيل المثال، فقد حافظت الولايات المتحدة على تصنيفها كأكبر اقتصاد عالمي، مع ناتج محلي إجمالي يلامس 26.9 تريليون دولار، وهذا الناتج أكبر من مجموع النواتج المحلية الإجمالية لـ174 دولة.
وبينما ظلت الصين، ثابتة في المركز الثاني مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 19.4 تريليون دولار، تمسكت الاقتصادات الخمسة الأولى بمراكزها، مع استثناء واحد ملحوظ، وهو الهند، التي عمقت تخطيها للمملكة المتحدة، واحتفاظها بلقب خامس أكبر اقتصاد عالمي، مع ناتج يبلغ 3.7 تريليونات دولار، وبالإضافة لذلك، باتت الهند أكبر دولة سكانية في العالم بنحو 1.43 مليار نسمة، متجاوزة الصين، وربما يظن البعض أن القوى العاملة الضخمة، والأجور المتدنية هي وحدها المسؤولة عن ازدهار الاقتصاد الهندي، والحقيقة، أن القوة العاملة في الهند، في بعض المستويات المطلوبة عالمياً، تتمتع بمهارات سوق العمل، حيث تتقن اللغة الإنجليزية بطلاقة، وتملك معرفة رقمية قوية، فضلاً عن سمعتها المرموقة في ريادة الأعمال، والصناعات الدوائية، والزراعية والصناعية، مما يجعلها مقصداً للشركات الغربية الباحثة عن بديل مناسب للصين، التي تواجه حرباً تجارية وتكنولوجية طاحنة في أميركا وأوروبا.
وبلغة الخسائر، فقد أدت حالة الانقسام العالمي التي فجرها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، إلى فقدان نحو 2.5% من الناتج المحلي العالمي، أي ما يعادل 2.5 تريليون دولار، وربما تصل نسبة الخسائر إلى 7%، أي فقدان 7 تريليونات دولار، وخاصة في حالة عجز الاقتصادات العالمية عن التكيف مع المتغيرات التجارية الجديدة، بل إن الاستثمار الأجنبي المباشر نفسه أصبح عرضة للاستقطاب، وفقاً للتطورات الجيوسياسية، وعلى سبيل المثال، فإن الصين لم تعد حالياً أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، حيث انخفضت حصتها من الواردات الأميركية خلال 5 سنوات بنحو 9 نقاط مئوية، وذلك من 22% في عام 2018، إلى 13% فقط خلال النصف الأول من عام 2023، كما أن بكين لم تعد الوجهة الأولى للاستثمار المباشر الخارج من الولايات المتحدة، إذ اقتنصت حصتها أسواق ناشئة مثل الهند والمكسيك وفيتنام.




http://www.alriyadh.com/2051033]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]