"ما أكلتك المفضلة؟"، تفاجأت بهذا السؤال وأنا في غداء عمل مع وفد أجنبي في أحد المطاعم الشعبية في الرياض، حيث أحرص على أن يتعرف الضيوف على الجوانب المختلفة في الثقافة السعودية والعربية ومن بينها كرم الضيافة والأكل بطبيعة الحال. لم يكن عندي جواب محدد وقتها، ولكني أجبت لاحقاً على السؤال بقولي: "إذا سألتني عن أكلتي المفضلة فليس هنالك طعام محدد لأن المهم ليس هو ما تأكل بل مع من تأكل؟ ربما تكون في مطعم فاخر وأفضل الطهاة في العالم في عشاء عمل متوتر ولا تستطيع الاستمتاع بلقمة واحدة بسبب الأجواء المكهربة، وبالمقابل فقد تكون مع عائلتك أو أصدقائك والأناس الذين ترتاح لهم وتعيش أحلى اللحظات وأسعدها وأنت تأكل أبسط الأشياء!".
في الواقع، لا أعتقد أن مبدأ (مع من تأكل) ينحصر في الولائم والوجبات بل ينطبق بشكل كبير أيضاً على بيئات العمل، أو بتعبير أدق في مبدأ (مع من تعمل)، فبعكس الأجيال القديمة والتي كانت تظل في مكان العمل نفسه لسنوات طويلة قد تصل لعقود من الزمن، فالكثير من الأجيال الصاعدة لا يحبذ البقاء في مكان واحد بل ينتقل من مكان لآخر متى ما سنحت الفرصة المناسبة، ومن أهم العوامل التي تساهم في قرار بقاء الموظف في مكان العمل أو الخروج منه هي بيئة العمل، وهل هي صحّية وداعمة أم سامّة وهادمة؟ وبكلمة أدق المدير المباشر والزملاء الذين تعمل معهم.

وفي هذا الصدد فمن المقولات المشهورة أن الكفاءات لا تغادر بيئات العمل بل تغادر المديرين السيئين، فلا تستغرب أحياناً من أشخاص تستقيل من أماكن عمل بمرتبات عالية ومميزات مغرية بسبب سوء التعامل من المديرين السيئين سواء بعدم التقدير أو التحرش باستخدام قوة المنصب أو الظلم والتعدي اللفظي ناهيك عن انتشار النميمة والمكايد والصراعات الداخلية المقيتة التي تستهلك طاقات الجميع في اتجاه سلبي وغير مجدي.

وبالمقابل، فمن الصعب أن يتخلى الموظف عن المنظمات التي تحرص على بيئات عملها وتخلق ثقافة صحية وداعمة ومحفزة لنجاح موظفيها سواء في الحياة العملية أو الخاصة. ولا تستغرب أن يرفض الموظف الكثير من عروض العمل ولو كانت برواتب أعلى مقابل البقاء في بيئة عمل صحية وداعمة مع قائد يؤمن بالتمكين وتطوير قدرات فريقه.
وباختصار، إذا كان الجار قبل الدار، فالمدير والزملاء قبل مكان العمل، وثقافة المنظمة وبيئة العمل قبل الراتب والمنصب، فالعمر قصير، وليس من الإنصاف أن يظلم الإنسان نفسه بالبقاء في بيئة عمل مسمومة مع مديرين سيئين يستهلكون صحته ونفسيته ويقتلونه ببطء. لذلك احرص على اختيار مديريك وفريقك بعناية، وكن أنت ذلك القائد القوي الأمين الممكّن، والذي يتمنى الجميع أن يعملوا معه أو تحت قيادته!




http://www.alriyadh.com/2051054]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]