لم تكن الحياة من حولنا في يوم الأيام صامتة، فلكل حركة صوت ولكل صوت نظام، ومقام صوتي يجعل إيقاع الحياة على تباين أشكاله وأنواعه يتخذ نغمة واهتزازاً صوتياً يدل إليه ويرشد عليه، فللماء أصواته المتعددة التي تأتي مختلفة بناء على طبيعة حركته ومدى قوتها أو ضعفها، فصوت الجدول الجاري لا يشبه صوت الشلال المتدفق، وصوت السيل لا يشبه صوت البحر، وكلها ماء، ولكن لكل معزوفة للماء جوها وحقيقتها ونغمتها ضمن نغمات الحياة المتنوعة.
وعلى هذا نقيس بقية الأصوات من حوافر الخيل وحفيف الأشجار، وغناء السنابل وأنين الناي بيد الإنسان، هذا الإنسان الذي يتأثر ويؤثر في بيئته أخذ لحن الحياة من حوله ورسمها بصوته لوحة ناطقة في كل حركة من حركاته وسكنة من سكناته، فلم يكن يقوم بأي عمل دنيوي إلا ويرفقه بكلمة وصوت يتغنى بها، ويُسمع صوته من حوله وفي بعض الأحيان يرسل صوته إلى آفاق بعيدة بين جبل شاهق وواد سحيق وصحراء لا يرى آخرها، فالصوت رفيقه في حقله عند البذر وعند الري وأثناء الحصاد، وصوت آخر يرافقه في سفره ليطوي معه المسافة ويخفف عنه عناء الطريق الشاق الطويل، وهذا صوت الأشواق الذي يرسله المشتاق إلى الأرجاء ليخفف عنه الحمل الشاق، والحنين إلى وطن أو حبيب.
الحياة صوت تعزفه الأم مناغية ابنها لينام أو لتسليه عن ألم يشعر به وتشعر به تلك الأم أكثر منه فتخفف الألم عن روحها قبل أن تخففه عن ابنها بين يديها، وكان لكل أم كلماتها المحببة والمحفوظة كلمة ولحناً وإحساساً.
نحن نتحدث عن موروث ذي قيمة اجتماعية وثقافية فقدناه، وانساب من بين يدينا كما ينساب لحن الأمهات وكما ينساب لحن أهل الحقول من بين محاصيلهم، وممتطي الركائب من فوق إبلهم. أين نحن من هذا التراث اللامادي الذي نحتاجه أكثر مما يحتاجنا، فهو قيمة اجتماعية ثقافية ووجدانية، وحتى الجانب الروحاني يفتقد لهذا التراث الذي كان حاضراً عند عودة الحجيج فرحاً وابتهاجاً بعودتهم وحفاوة بمن زاروا بيت الله أو مسجد نبيه. نبي الله عليه الصلاة والسلام الذي كان يساعد صحبه الكرام وهم جميعاً يرفعون الصوت بما يحقق لهم التوازن الجسدي والروحي في مقامه، ولكل مقام مقال.
نحن بحاجة فعلاً إلى أن نشمر عن سواعدنا لنجمع هذا المخزون الغنائي كلمة ولحناً، والمؤدى بأعذب الألحان، وبالصوت الذي امتزج بالكلمة وامتزجت به في مختلف مناطق مملكتنا الغالية، ولعلنا نجد هذا الطموح واقعاً متجسداً على يدي هيئة المسرح والفنون الأدائية وهي الهيئة النشطة والمبهجة في حضورها الكثيف والمنظم داخلياً وخارجياً، والتي تجاوزت مستوى الطموح ولفتت الأنظار بآليات عملها المتقنة التي حققت لها ريادة حقيقية في مهامها وتحقيق أهدافها، وهي جديرة وقادرة وأهل أن يعول عليها في هذا الأمر.




http://www.alriyadh.com/2051241]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]