لم يعش العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعزلٍ عن الحضارات الأخرى التي ربطتهم بها علاقات وثيقة، نتيجة الاحتكاك المباشر بتلك الشعوب ساعد على ذلك الاحتكاك عوامل اقتصادية وتجارية واجتماعية وفي هذه المقالة نركز الاهتمام على ملامح المرأة التي تمثل الجانب الاجتماعي للحياة في ذلك العصر، ويمكن للدارس في تراث تلك الحقبة أن يُحدّد ملامح للمرأة وفقاً لأحكام العادات السائدة والتقاليد المتوارثة، فقد تدرجّت المرأة آنذاك في منزلتها لتتبوأ المرأة (الحرّة) مكانة الصدارة وتتخذ مكانتها الرفيعة في ذلك المجتمع القبلي، فكانت تشارك الرجل في قضايا المجتمع، فتُسْتَشار في اختيار الزوج، وربما تدخلت في قرارات القبيلة المهمة في الحرب والسلم على حدٍّ سواء، ولا يغيب عن البال أن ملوكاً نسبوا إلى أمهاتهم تكريماً للمرأة وإجلالاً لقدرها من مثل الملك عمرو بن هندٍ، وفي مقتله كذلك ما يشير إلى مكانة المرأة لدى العرب فقد كان سبب مقتله إهانة وجّهت لأمّ عمرو بن كلثوم في قصّةٍ مشهورة خلّدها في شعره يقول فيها:
بأيّ مشيئةٍ عمرو بن هندٍ تطيع بنا الوشاة وتزدرينا
تهددنا وتوعدنا رويداً
متى كُنّا لأمّكِ مقتوينا
وفي هذا الارتباط بين كرامة الرجل والمرأة علاقة وثيقة تؤكد سمو مكانة المرأة (الحرّة) ونسبته إليها دليل أصل عريق، ونسب رفيعٍ وقد أولى العربي المرأة جُلّ اهتمامه، وأغدق عليها كرمه وفيض عطاياه، فكانت ترفل بالحرير، وتلبس الذهب وطالما صوّر الشعراء تلك المرأة المترفة وها هو النابغة الذبياني يصفها بقوله:
بالدرّ والياقوت زُيّن نحرها
ومُفصّل من لؤلؤٍ وزبرجد
وغير بعيد عن هذا التصوير لترف المرأة ما نجدها في شعر المنخل اليشكري:
ولقد دخلت على الفتاة الخدر في اليوم المطير
الكاعب الحسناء ترفل في الدمقس وفي الحرير
إنها صورة المرأة الأرستقراطية في ذلك العصر التي أخذت من الراحة أوسع أبوابها، فهي لم تكن تسافر تحت أشعة الشمس مثل مثيلاتها من نساء عصرها، بل كانت تحظى بالخدم وتحجب عن عوامل الطبيعة القاسية بالستائر والكُلل، يقدم لنا الأعشى أنموذجاً لانتقال تلك المرأة من مكان إلى آخر، فيقول:
لم تمشِ مِيلاً ولم تركبْ على جملٍ
ولا ترى الشمس إلّا دونها الكللُ
هذه هي صورة المرأة الحرّة التي نعمت بكل مظاهر الترف والرفاهية، فكانت ترتدي ثياب الحرير وتتعطّر بأطايب العطور وتتزين بالأساور كما تلبس الخلخال في قدميها يصف الأعشى ذلك بقوله:
صحا القلب من ذكرى فُتيلة بعدما
يكون لها مثل الأسير المكَّبلِ
لها قدم ريّا سباط بنانهَ
قد اعتدلت في حُسنِ خلقٍ مُبتّلِ
وساقان مار اللحم موراً عليهما
إلى منتهى خلخالها المُتصَلْصِلِ
وفي مقابل هذه الصورة يبدو حال المرأة التي لحق بها الظلم الاجتماعي الذي مُوْرِس عليها بسبب المفهومات التي كانت تُحرّم عليها اختيار الزوج، فقد شاع في العصر الجاهلي زواج الابن من زوج أبيه، وهو ما عُرف بزواج المقت، وزواج المبادلة وكان يتم بأن يزوج رجل أخته لآخر مقابل تزويج الآخر له بأخته وهو زواج الشغار.
هذه لمحة عن حال المرأة في تلك الحقبة من عصر ما قبل الإسلام وقد حاولنا أن نقدّم واقع حالها في جانبيه الإيجابي المشرق، والسلبي المعتم لتكون الصورة متكاملة مجسّدةً لواقع الحياة الاجتماعية للمرأة في تراثنا الجاهلي، وهو ما يدفعنا للإشارة إلى ضرورة توجه الدراسات الأدبية إلى قراءة متفحصة منصفة لصورتها بعيداً عن التصورات المسبقة والمقولات الجاهزة.




http://www.alriyadh.com/2051240]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]