في خطوة تعدّ قفزة نوعية على المستوى المدني والحضاري وتنمية المجتمع، جاء قرار خصخصة الجامعات، عبر رؤية مستقبلية تعد بالكثير من المنجزات المتوقعة لكيان معرفي مستقل كالجامعة، ولأن الحديث في الجوانب المالية والإدارية والخطط والاستراتيجيات الناجمة عن هذه الخصخصة هي من الأمور التي تحتاج مختصّاً للحديث عنها وعن استشرافاتها وحيثياتها وما ينتج أو نتج عنها، وأجدني أقل بكثير من تناولها، أو حتى الخوض في نقاشات شعبية تتعلق بكيفية الاستثمار ومدى مساسها من قريب أو بعيد بمجّانية التعليم، ولا أشك مطلقاً في أن مرجعيات هذا القرار استوفت أسسه وتشريعاته ومخرجاته على المستويات كافة، إلا أنني هنا سأنطلق نحو الأثر الثقافي المتوقّع كمخرج لهذا القرار الحضاري النوعي. إنّ جامعاتنا العريقة بشكلها القديم عاشت ما يقارب أربعة عقود من عمرها أشبه بمدرسة كبيرة بمبانيها وتخصصاتها، حين قصرت في جلّها حتى عن أدوارها النوعية السابقة قبل تلك العقود، وأتحدث هنا عن المخرجات الفنّية بأشكالها المتنوعة من أدب ومسرح وموسيقى أو حتى دراسات عصرية وبحوث تجديدية... إلخ، وأعني هنا الأبعاد الثقافية للجامعات، والحقيقة أن الثقافة بجلّها خلال تلك الفترة كانت محاطة بالتوجّس وتعدد المرجعيات مما شلّ من نموها أو حتى قدرتها على استثمار المواهب المتفرّدة في التعليم وهو المحضن الثقافي الأول للمواهب، على الرغم من المحاولات التي بذلت بين حين وآخر لكنها ظلّت متقطّعة، فضلاً عن تعرّضها دائماً لمقاومة تصل حد الحرب الضروس من بعض القائمين على التعليم حينها، وبالتالي عجزت الجامعة هي الأخرى جرّاء وقوعها ضمن دائرة التعليم عامة عن القيام بدورها الثقافي، أو حتى استكمال مشروعاتها الثقافية التي سبقت تلك العقود، ولكي لا يتشعّب بنا الحديث. وددت من كل هذا الإشارة إلى أن حالة الاستقلالية التي تتجه إليها جامعاتنا اليوم بدعم لوجستي نوعي من قيادتنا الرشيدة من شأنها تسهيل قيامها بدورها «الطبيعي» والمتعارف عليه، بل وأحد أهم مؤشرات القياس لجودة الجامعة في كل دول العالم على المستوى الثقافي، لهذا أجدني اليوم مذهولاً من بعض العناوين البحثية في مجال الأدب مثلاً التي تمنح بعض جامعاتنا شهادات عليا عليها.. حين تتمثل في مناقشات تاريخية مباشرة عفا عليها الزمن وطبخت حتى احترقت، في الوقت الذي تحتاج فيه الحركة الأدبية المعاصرة إلى من يفاتح عصرها ويقتحم مستقبلها بشكل أكثر حداثة وأجدى معاصرة، وأذكر أنني قبل أعوام كنت مشرفاً على إحدى المطبوعات الدورية واتفقت مع الدكتور «عماد الخطيب» أستاذ الأدب في جامعة الإمام محمد بن سعود حينها، على تقديم إضاءات أكاديمية نوعية وحديثة، تفتح نوافذ للباحثين في عناوين غاية في الحداثة والمعاصرة.. إن مسؤولية جامعاتنا اليوم تتمثل في دفع طلابها وباحثيها إلى بحوث نوعية تخرجنا من تلك النمطية الرتيبة التي عانت منها جامعاتنا في عقودها الأربعة الماضية وتتفاعل عملياً مع حركتنا التنموية الحضارية وبالتالي تؤطّر الأسس والتقاليد لباحثيها كي لا ينفقوا جهودهم المعرفية والزمنية في أبحاث عفا عليها الزمان وتجاوزتها مرحلتنا بالضرورة.




http://www.alriyadh.com/2051231]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]