ما الذي يُكسب بدايات الأعوام هذا التأثير والرغبة في التغيير؟ يشير الباحثون على أن "الإنسان" يرتبط ارتباطًا نفسيًا مع المعالم الزمنية البارزة وعلى رأسها بداية الأعوام الجديدة، إذ أنها تحفّز لديهم السلوك الطموح، والرغبة العارمة في إحداث تغيير في حياتهم وسلوكياتهم، وربما كانت من الفرص السانحة لمراجعة الذات وتقييم الممارسات، وتصويب الأخطاء، وإعادة التخطيط لما هو قادم.
صحيح أن الناس في الغالب يبالغون في توقعاتهم – وربما أمنياتهم - الإيجابية حيال المستقبل، إلا أن الخط الزمني الذي تفرضه بداية العام الجديد ربما يكون بالفعل مناسبة ومحطة "معنوية" و "افتراضية" للتطوير والتغيير ومحاولة تعويض ما فات.
فأمام ما يحدث من إحباطات وربما إخفاقات في حياتنا، نحن لا نمتلك فعليًا سوى التمسك بنظرتنا الإيجابية تجاه الغد، وإعادة إحياء العزيمة والإصرار على تغيير مسار الفوضى وتفويت الفرص إلى استنهاض الطاقات والهمم، وتوجيه القدرات نحو مكانها الصحيح، والأهم من ذلك أن نبقي "الحلم" قائمًا لأنه مصدر الإنجاز ونقطة البدء التي تمنحنا القدرة على خوض التحديات وتحقيق النجاحات.
إن الوقت هو أثمن ما يمتلكه "الإنسان"، وواقع الأمر أن مع كل عام يمضي يتساقط معه بعض من هذا "الإنسان"، ربما يكتسب خبرة ومعرفة وتجربة جديدة ولكن الأيام تستنزف أجزائه دون أن يعلم، لذلك كان واجبًا أن يتعاطى المرء مع تداول الأيام بطريقة أكثر التزامًا ومسؤولية ووعيًا واهتمامًا، وهذا الأمر لا يتأتى إلا إذا أخضع نفسه لعملية تقييم دورية وذاتية، يُعيد من خلاله رسم أهدافه، ويتغلب من خلالها على مشاعر الإحباط المرهقة، ويتخلص عبرها من العوائق والقيود التي تعطّل مسيرة تقدمه وتطوره.
وبلا شك، أن تغيير حياة المرء هي عملية تراكمية تتطلب المعرفة والتواصل والقبول والتكيّف مع متغيرات الحياة والانسجام مع عالمنا الداخلي والمحيط بنا، مع الرغبة الصادقة والصريحة في التغير، ووضع أهداف منطقية وواقعية قابلة للقياس والتحقيق حتى وإن غلّفها الطموح العالي، فالنجاح في أول الأمر ونهايته حالة ذهنية وطريقة تفكير نستعين بها للوصول إلى أهدافنا، عبر التخطيط والتفكير ووضع محددات تساند خطواتنا وتحكم أفعالنا ومبادراتنا.
إن الوصول إلى الغايات والأهداف يتطلب أن تبدأ فورًا بعيدًا عن المماطلة والدخول في دوامة "التسويف والتأجيل"، ومهما كانت الطريق محفوف بالمخاطر والتحديات والمصاعب فإن تحقيق الطموحات يستحق تجربتها والسلوك بها . ولعل إحدى أهم أسباب الفشل التي طالما تعرقلنا عن تحقيق أهدافنا في الحياة الميل الدائم لإلقاء اللوم على الظروف والأشخاص والمجتمع، واستدعاء عوامل خارجية وغير حقيقية يخبّئ ورائه هروبًا عن المواجهة وعن الواقع، وتقاعسًا عن خوض غمار التحديات، وفي أثناء ذلك نكتشف أننا بمرور الوقت كذبنا على أنفسنا وخسرنا جزءاً منها، ونهبط بسقف طموحاتنا تدريجيًا دون الاعتراف بأننا المسؤولون الوحيدون عما يجري في حياتنا وعمّا نحن فيه.
إن بداية الأعوام الجديدة رغم ما تحمله معها من نظرات تفاؤلية إلا أنها تمثل أيضًا منبّهًا وجرعة لتحفيز الهمم واستلهام الطاقات والتحرّك نحو الأمام، فاليوم الذي يذهب لا يعود أبدًا.




http://www.alriyadh.com/2051417]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]