الحضارات والثقافات كلها تصب في مجرى واحد، تلتقي فيه جميعها باعتبارها موروثا إنسانيا تستفيد منه شعوب العالم، فما بالنا بدولتين يجمعهما زخم كبير من الموروث الثقافي، ففرنسا عاصمة أوروبا وباريس مدينة النور والثقافات وجدت في المملكة العربية السعودية توءمها العربي، وكل منهما يتميز ويتفرد بثقافاته وحضارته ومحط إعجاب واستقطاب من الآخر، فهما قطبا الثقافة بما تمثلان من عراقة وتاريخ متجذر إحداهما تمثل مركز الحضارة الغربية والأخرى تشكل جمال وعمق الحضارة الشرقية، وقد شكلت المملكة العربية السعودية محط اهتمام لفرنسا حتى قبل توحيدها، ومعلوم أنها كانت ترسل رحلات لمستشرقيها قبل إقامة علاقتها الرسمية إثر الاعتراف بحكم الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1926م، ناهيك عن الاهتمام الثقافي الثنائي الذي يشهد تطورا ملحوظا خصوصا مع الانفتاح الذي تشهده المملكة لتنفيذ رؤيتها الرائدة 2030.
لا شك أن العلاقات الثقافية بين المملكة العربية السعودية وفرنسا قديمة تعود إلى القرن التاسع عشر، وباريس كانت مولعة - باعتبارها مركزا علميا وثقافيا في أوروبا - باكتشاف الحضارات القديمة كتلك التي نشأت في ربوع المملكة في عصور ما قبل التاريخ الميلادي، على رأسها حضارة مدينة تيماء التي قام المستشرق شارل هوبر بنقل مسلتها الشهيرة إلى متحف اللوفر بباريس عام 1884م، ليخلد تاريخ المملكة العربية السعودية في ذاكرة العالم.
كما أن مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كان مهتما بتعريف العالم بحضارة المملكة العربية السعودية، وانعكس ذلك في حكمة ونهج سيدي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي كرس رؤيته المستنيرة لخدمة المجال الثقافي وتنميته، وفي هذا السياق نذكر افتتاح معرض «المملكة بين الأمس واليوم» الذي نظم في باريس عام 1986م، وافتتحه الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان حينها أمير منطقة الرياض، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، حيث زاره عدد كبير من الفرنسيين والأجانب وحظي بإعجابهم لأنه شكل جسرا تاريخيا عبروا من خلاله إلى تاريخ المملكة العريق وتعرفوا على تراثها وقيمها الدينية والحضارية.
شهدت المملكة العربية السعودية في عصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز نهضة ثقافية وعلمية واقتصادية كبيرة سطر إنجازاتها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي أطلق رؤيته «2030» معلنا عصرا ذهبيا مشرقا على المملكة ومستقبلها في كل المجالات، وفي إطار تنفيذها في المجال الثقافي أتاح اللقاء الذي جمع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الفرنسي ماكرون في أبريل 2018 تأكيد اهتمام فرنسا بالانضمام إلى مشروع التنمية الاقتصادية والسياحية والثقافية لموقع العلا النبطي الواقع شمال غرب المملكة العربية السعودية، كما تجددت طموحات التعاون الفرنسي السعودي حول موقع العلا بمناسبة زيارة الرئيس ماكرون إلى جدة في 4 ديسمبر 2021، ورحب الجانبان بالتعاون المثمر القائم للتطوير المستدام للمنطقة، في إطار الاتفاق الحكومي الموقّع في 2018، وأشادا بتوقيع اتفاقيات جديدة، تسهم من خلالها فرنسا بدعم التطوير الثقافي والسياحي لهذه المنطقة الزاخرة بالإمكانات.
كما يلاحظ من تاريخ العلاقات الثقافية السعودية الفرنسية أنها تتنامى وتتطور بشكل دائم في اتجاه تعميق الروابط المعرفية والحضارية بين الشعبين وبناء جسور التواصل بينهما، في إطار تعزيز المشتركات الإنسانية.
إن متابعة صديقنا سفير فرنسا لدى المملكة العربية السعودية لودوفيك بوي لإسهامات المملكة الثقافية بإعجاب وانبهار والتأثر في انطلاقة السعودية الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وأيضا الفنية والإبداع من قبل الشباب السعوديين، يعكس القيمة الحضارية والثقافية التي تشكلها المملكة، لذلك فإنها أصبحت قبلة للوفود الفرنسية التي لا تكاد تغيب عن أية فعالية تقام في المملكة، بل وتشارك فيها، وكذلك يحرص السفير الفرنسي وشخصيات ثقافية وفكرية فرنسية لحضورها والتفاعل معها ونقلها إلى فرنسا وأوروبا ليشهد العالم على الرقي الذي وصلت إليه السعودية توءم فرنسا الثقافي والحضاري.
أمين عام المجلس الإسلامي العربي




http://www.alriyadh.com/2052080]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]