أول الصمت.. آخر الكلام:
وبعدَ.. أن يبلغ الصمت منتهاه.. تأتي كتابته، إيماءة قديمةٌ لعمرٍ يتجدّد هكذا كنتُ وإياك دائمًا.. حمامة إغريقية لا تنقرض ولا يتساقط ريشها، لغة أخرى من الصمت والكلام معاً حيث يتزاوج الحنين والذكرى.. فلا ينجبان إلا شهقة للتاريخ وبحّة في صوت الحياة!
أبدأُ كي أنتهي.. وأنتهي كي أبدأ ومع هذا لا عليك.. سأبقى دائمًا سِرُّك الذي لا يفضحه إلا التاريخ!

أنا والضحى ظلان كلٌّ وشأنه
أنا صبحُه العصفورُ.. والشارع الصدى
غريبانِ في الذكرى.. قريبانِ في الهوى
بعيدانِ في المنفى.. رفيقانِ في المدى

هكذا سيقول لك الآخرون دائماً.. هكذا سيرددون:
«لا يمكن أن يمرّ أحدنا على مذكّرات شاعرٍ ما أو شهاداته في الوجود دون أن يقف من حالاته وتقلباته وتصاريف الأيام لا الكلمات فيه، فحالة القصيدة التي تتجلى على هيئة غربةٍ في هذا العصر، انكفأت أحياناً على الذكرى كمدينةٍ اكتفت بساكنيها وشغلت زائريها دائماً، أو على النبوءة، حينما تدرك ما لا يفهمه الأصدقاء ولا تتوخّاه الظنون، أو باليومي الذي باء بغضبٍ من الأحداث وصناعة الموت..
تلك الغربة يمتلئ بها الشعراء كآبة وعزلةً وموتًا مؤجلاً.. فهل هي عقوبة التواصل مع الوجود بذنب محاولة اكتشافه؟
وهل يترك الشعراء ما لهم لما عليهم حينما يعتنقون العاديّة، فيحملون الخبز لأطفالهم في الظهيرة ويستعينون على تربيتهم بالصراخ؟!
قليلٌ من الشعراء يا صديقي لا يحتفلون أو يحاولون إلا بساعات شعرهم ثم ينصرفون في مناكب أيامهم كي يبلغوا الحياة..
لكنّ أكثرهم لا يخرجون من شاعريّتهم إلا مرغمين، ولا يدخلون عاديّتهم إلا متثاقلين، لهذا يعبسون في وجه الرتابة، ويتكاسلون عن مقاربات أحلامهم للواقع..!
أحيانًا كثيرة سيسألك من حولك
هل حالة الشعر انفصامية المبدأ، فوضوية المعتقد؟

هل ينخلع الشاعر عن ذاته حينما تخلو به ويخلو بها؟

وهل يحلو له المقام معها في مدينة الحلم التي يسكنها كلما سكنته القصيدة؟

هل الشعر حالة انفصامٍ توارثتها التواريخ وتواترتها الروايات؟
كل ما ورد أعلاه أسئلة لن أعتنيَ وإيّاك بالإجابة عليها ولا نطرحها إلا ظلاً آخرَ لنا حينما انتميتَ لأجلي إلى قبيلة الشعراء كما شاء الآخرون حولك.. لكننا سنطرحها حتما لأننا نبحث عمن يعيد صياغتها على شكل حياةٍ لاتبدأ بي ولا تكتفي بموتك:

من أين للأشجارِ ذاكرةٌ ..
إذا حلّ الربيع على بساتينِ الحنينِ بآخر الذكرى
ومن غيري رأى في رقصة الأغصان ما يغني عن الأدْنى ...
يا أيّها الأبديّ نسيانًا ..
ألا يكفيك أنّكَ ما استعطتَ من الرجوعِ مؤبّدَ المعنى ...
قد لاتحالفكَ الطريقُ ،
وقد تمرُّ ببابها لغةً من الأسماء والأفعالِ والجمل المفيدةْ
قد لاتحالفك القصيدةْ...!




http://www.alriyadh.com/2052439]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]