لو قرأت هذه الكلمات وأنت معطل لأدوات الاستشعار عندك فلن تصل إليك معانيها، فافتح أبواب الخيال لعقلك على مصاريعها، بل لن تحتاج إلى الخيال، فعش الواقع الملموس الذي تراه ماثلاً أمام عينيك، وأنت ترى نفسك وتعلم من أنت، ثم اسأل نفسك سؤالاً: ما ظنك بربك؟ هل تظن بربك خيراً؟ هل تحسن الظن به؟..
للحشرات قرون استشعار، تستطيع بها أن تحصل على المعلومات التي تحتاج إليها، هذه القرون مبطنة بأعصاب حساسة، تتعرف بها الحشرة على ما تريد من شأن حياتها.
وقد ميز الله الإنسان وكرمه، فأخرجه من بطن أمه جاهلاً لا يعلم شيئاً، ثم هيأ له أسباب التعلم والتلقي فجعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً، لتكون له أهم وأميز من قرون الاستشعار التي للحشرات فيميز بها ما ينفعه، ويتوصل عن طريقها إلى ما يثري حياته في الدنيا وفي الأخرى.
وإذا عطل الإنسان هذه الأدوات صار بهيمة، أو أضل من البهيمة!، فيكون من الغافلين، فلا يرى إلا ما تراه البهيمة، وهو الشيء المادي الذي يحسه أو يشمه أو يطعمه أو يلمسه.
فلو استشعر العاقل هذا الكون ورفع رأسه إلى السماء ونظر إليها، فهل يرى من فطور؟ أليس يرى دقة سبكها، وعظمة خلقها؟ بلى، إذ إن الأرض التي بسطت تحت أرجلنا عظيمة جداً، كبيرة جداً، ومع كل هذا ليست إلا نقطة في فلك السماء، وفلك السماء يعطيك نبذة صغيرة عن عظمة خالق السماء، لتقدره حق قدره.
إذا بدأت الصورة تنجلي في ذهنك لعظمة هذا الخالق، فاقرأ هذا الحديث القدسي الشريف، فيما يحدث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه قال: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
لو قرأت هذه الكلمات وأنت معطل لأدوات الاستشعار عندك فلن تصل إليك معانيها، فافتح أبواب الخيال لعقلك على مصاريعها، بل لن تحتاج إلى الخيال، فعش الواقع الملموس الذي تراه ماثلاً أمام عينيك، وأنت ترى نفسك وتعلم من أنت، ثم اسأل نفسك سؤالاً: ما ظنك بربك؟ هل تظن بربك خيراً؟ هل تحسن الظن به؟، هل تعلق به رجاءك؟، وتخلص له قلبك، وتسعى إليه في كل حال؟، هل تراه يجيب دعوتك، ويكشف كربتك، ويحسن إليك، ويسمع نداءك، وينصرك ويؤيدك؟.

إن هذا الحديث يدعوك لتحسن الظن بربك، تظن به خيراً، فترجوه ليقبل توبتك، ويغسل حوبتك، ويستر سوءتك، ويتقبل عملك، ويغفر ذنبك، ويتجاوز عن خطيئتك. وفي بعض طرق الحديث: فليظن بي عبدي ما شاء. بمعنى إن ظن خيراً وجد خيراً، وإن ظن غير ذلك فليس له إلا ما ظنه. وليس معنى هذا أن تترك العمل، بل هو دافع للعمل وإتقانه، فإن من أحسن الظن، أحسن العمل.
وتأمل قوله (وأنا معه إذا ذكرني) فإنك تستجلب معية الله بأيسر سبيل، بذكره، اذكره يكن معك، ومن كان الله معه فمم يخاف؟. وهي معية خاصة بالذاكر، يشعر بها دفئاً في القلب، وانشراحاً في الصدر، وعلواً في الهمة، ورضا بالقضاء، وشوقاً إلى الله، واعتزازاً بدينه، وسعادة غامرة بما يقرب إليه، وثقة بنصره وتأييده، واعتماداً وتوكلاً عليه.
فيا لله ما أوسع فضل الله!، وما أعظم كرمه!، فله الحمد على ما أنعم به وتفضل، حيث من علينا بذكره، ووفقنا لطاعته، وإنا لنظن به أن يتم نعمته، ويتفضل علينا فيرضى عنا، ويدخلنا في جنته. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2052587]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]