لا ينبغي أن يغلب على الإعلامي الرياضي ولا غيره الميول لدرجةٍ تُؤثرُ في رسالته الهادفة، وإذا افترضنا أن عاطفته غلبته في موقفٍ معينٍ، فليس مجبراً على أن يتكلم في الوقت نفسه؛ لأن المطلوب من ظهوره أن يعرض على الآخرين علمه، وتجربته، واستنتاجه، وقراءته العميقة لما يُحلِّله..
الكلمةُ أداةٌ من الأدوات التي أُمِدَّ بها الإنسان؛ ليُزاول بها مصالحه، ويدرأ بها عن نفسه المكروه إن احتاج إلى ذلك، وقد منحه الله تعالى - بالتوازي مع منحة الكلمة - أهلية التفريق بين المواقف وما تحتاج إليه من أدواتٍ وتدبيراتٍ، وهداه إلى كيفية إدارة ذلك بحكمةٍ وتقديرٍ، والأصل في الكلمة التي تُوجَّه إلى الآخرين أن تتصف بالحشمة، وأن تخلو من الخشونة والفجاجة ما أمكن، ومصداق ذلك قوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)، ولا تخرج عن هذا الأصل إلا لداعٍ يقتضي ذلك، ككونها انتصافاً من مسيء، فللمظلوم حقُّ المقابلةِ بالمثل إن شاء، كما يدل عليه قوله تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)، وإذا كان الأمر كذلك فلا مجال للكلمةِ المسيئة في اختلافات التنوع لا سيما في الاهتمامات، وتجاذبات الأذواق والهوايات، كالرياضة مثلاً التي أساسها الترويحُ على النفس المضادِّ للغلظة والجفاء، فمن المؤسف جدّاً أن نرى بعض الإعلاميين الرياضيين يُمارسُ دور البلطجة الرياضية جهاراً، ولي مع ذلك وقفات:
الأولى: لا يخفى ما تشهده الرياضة السعودية من تطورٍ لافتٍ للنظر، وذلك من مُحققات رؤية عراب الرؤية المباركة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله تعالى ورعاه، وهذا التطور المذهل يجعل أنظار العالم متجهة إلى كل ما يتعلق بالرياضة في المملكة العربية السعودية، وعلى الإعلام الرياضي مسؤولية مواكبة هذا التطور، وأن يكون مرآةً صافيةً تعكسُ بجلاءٍ ما يتمتع به الشعب السعودي من ذوقٍ عالٍ، وقيمٍ نبيلةٍ، وأخلاقٍ رفيعةٍ، تحكمها الآداب الشرعية، والضوابط العرفية، فلا يُبثُّ ولا يُنشرُ من خلاله ما يتنافى مع ذلك، ولا يُسمحُ لأيِّ أحدٍ بأن يتفوه أو يكتب ما يُشوِّهُ صورة رياضتنا أمام العالم، فالرياضةُ فنٌّ ورقيٌّ وأخلاقٌ، وإذا فَقَدَتْ بعض هذه المقومات تلاشت قيمتها، وخرجت عن المنحى المرسوم لها، وإنا لنستحيي من بعض الألفاظ الصادرة عن بعض من ينتمي للإعلام الرياضي، ومن يُصدَّرُ في القنوات، ومن تلك الألفاظ المؤسفة على سبيل المثال: (الرّعاع، القذارة، وجهه القذر، لا تُصارع خنزيراً، صراعٌ بين الفضيلة والرذيلة، المنحط)، ونحو ذلك، وهذه الألفاظ حين تقرؤها لا تتوقع أنها تصدر من إعلاميٍّ رياضيٍّ، هو محلُّ أنظار متابعي الرياضة، وأغلبهم من الشباب، وهم فئةٌ حساسةٌ يسهل تأثرها بما يصدر ممن يُعجبها، أو تضعه في دائرة الأهمية، وشيئاً فشيئاً تستقي جزءاً من ثقافتها، وقُلْ بعض أخلاقياتها من مثل هؤلاء، ولا شك أن من يُمارسون هذه البلطجية لا يُمثِّلون إلا أنفسهم، لكن يُفترضُ أن يُمثلوها بعيداً عن منصات التصدير الإعلامي.
ثانياً: ليتق الله أصحاب الأقلام، وأصحاب الظهور الإعلامي؛ وليكونوا قدوةً صالحةً للمتلقي، وليُدركوا أن التاريخ لن يُجاملهم إذا لم يتركوا فيه بصمةً مشرقةً، وليعلموا يقيناً أن الاختلاف في الاختيار الرياضي (التشجيع) على مستوى الأندية ونحو ذلك اختلافٌ في دائرةٍ ضيقةٍ جدّاً، يغلب أن مرجعه الذوقُ، والانسياقُ وراء الروح الرياضية، فلا يُعقلُ بحالٍ من الأحوال أن يتعدى حدوده الطبيعية، وفي العبارات اللائقة والكلمات غير المستهجنة ما يفي بالتعبير عن الموقف المخالف رياضيّاً، ولا يسوغ لمن يتناوله أن ينسى أنه يخاطب أخاه في الدين والوطن، وأنه من التجنِّي على المجتمع تنزيل بعض الأمثلة التي تفوح منها العنصرية المقيتة على أيِّ فردٍ من هذا الوطن، كقول أحدهم عن آخر: (لا يكتفي بأن يكون رقيقاً بل يُدافعُ عن الرِّق)، ومن الخطأ الفادح أن يظنَّ أنه بإيراد مثل هذه الأمثال يُعالجُ إشكالاً رياضيّاً، جاهلاً أن كلامه هذا هو دخولٌ في العنصرية المقيتة المحرمة شرعاً المجرمة نظاماً، وأُدركُ أن هناك جهاتٍ معنيةً بمثل هذه التجاوزات اللفظية، وأنها لن تتقاعس عن القيام بدورها في ذلك، فنحن بحمد الله تعالى لسنا في غابةٍ يصنع فيها من شاء ما شاء، بل في دولةٍ شرعيةٍ تحمي كل أحد فيها من أنواع الأذى كافة.
الثالثة: لا ينبغي أن يغلب على الإعلامي الرياضي ولا غيره الميول لدرجةٍ تُؤثرُ في رسالته الهادفة، وإذا افترضنا أن عاطفته غلبته في موقفٍ معينٍ، فليس مجبراً على أن يتكلم في الوقت نفسه؛ لأن المطلوب من ظهوره أن يعرض على الآخرين علمه، وتجربته، واستنتاجه، وقراءته العميقة لما يُحلِّله، والناس إنما يُتابعونه ليستفيدوا من هذه الإمكانات ونحوها، ولم يُتابعوه لتلقِّي نتائج عاطفته وآثار انفعالاته، فالانفعالات البشرية الغالبة على المنطق والتفكير، والجامحة في متاهات التعصب ليست حكراً على ذي تخصصٍ معينٍ، فعلى كل ذي صلاحية معينة أن يُفرق بين مقوماته التي من أجلها مُنِحَ الصلاحية وبين الأحاسيس البحتة، فإن لَـمَسَ من نفسه أن العاطفة قد غلبته على علمه وعقله، فليصمت، أو ليبتعد حتى يثوب إليه رشده، فما من مغلوبٍ على عقله، أو حكمته، أو اتِّزانه إلا وبه نوعٌ من التشتت بقدر ما غَلَبَ عليه من ذلك.




http://www.alriyadh.com/2059588]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]