قبل مضى عام، تدحرجت أزمة مصرفية مفاجأة في الولايات المتحدة، وسط مخاوف كبيرة من انتشار العدوى إلى بقية البنوك، إلا أن الأزمة انتهت وتم طوي الملف في غضون عدة أشهر، وربما يكون من المفيد تحليل هذه الوقائع القريبة لاستخلاص الدروس والعبر الاقتصادية، فهذا يعين على استشراف المستقبل، خاصة وأن الأمر يتعلق بقطاع ضخم تبلغ إسهاماته نحو 25% من ناتج الاقتصاد العالمي، وإذ تم تقدير الثروة العالمية عند مستوى430 تريليون دولار، فإن هذا يعني أن القطاع المصرفي يمثل ربع أصول العالم، ولهذا، من المنطقي طرح هذا السؤال: كيف تتعامل الشركات الصغيرة والمتوسطة مع الودائع بعد مرور عام على الأزمة المصرفية؟.
اندلعت الأزمة في مارس 2023، بعد انهيار ثلاثة بنوك أميركية متوسطة الحجم، وبحلول شهر مايو، كان بنك سيجنتشر، وبنك وادي السليكون، وبنك فيرست ري بابليك قد فشلوا جميعاً، وبالرغم من أن الأزمة لم تدم طويلاً، إلا أنها أثارت قلقاً كبيراً في الأوساط الاقتصادية من احتمالية إفلاس بنوك أخرى إذا قرر المودعون سحب أموالهم، وبالفعل، فقد شعر العديد من أصحاب الأعمال بالقلق بشأن سلامة ودائعهم المصرفية، وكانت معضلة الكثير من المودعين أنهم كانوا يحتفظون بأكثر من 250 ألف دولار، وهذا المبلغ أكثر من الحد الذي تحميه مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، ولهذا اضطر بعضهم إلى إعادة توزيع مدخراته على أكثر من بنك حتى تستمر المؤسسة الفيدرالية في الدفاع عن أمواله في مواجهة البنوك.
لم تقف البنوك مكتوفة الأيدي، فطورت أفكاراً خارج الصندوق من أجل الاستجابة لهذه المشكلات العالقة، والإبقاء على ميزة تمتع المودعين بحماية مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، فأتاحت للعملاء تسجيل بياناتهم في تطبيق على الإنترنت يقوم تلقائياً بنقل الأموال من وإلى البنوك الأخرى إذا تجاوز رصيد المودع حد الحماية الفيدرالية، وعلى سبيل المثال، إذا كان العميل يريد إنشاء مشروع استثماري جديد، وأراد كتابة شيك بمبلغ أكبر من قيمة المشروع، فإن العميل لن يكون مجبراً على فعل أي شيء، حيث يقوم البنك تلقائياً بسحب أموال الشيك من الحساب البنكي الآخر للعميل، وبذلك تنتهي المشكلة، حيث ينجز العميل مشاريعه بسلاسة، ويبقى مستمتعاً بحماية مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية.
لم يجر حتى الآن تحقيق واسع النطاق لمعرفة الظروف التي أدت إلى انهيار البنوك، وهذا يعني أن تحديد حجم التدخل المطلوب لإنقاذ البنوك الصغيرة لا يحظى باهتمام واسع بين النخب المالية في الولايات المتحدة، وأن بؤرة الاهتمام تنصب على البنوك الكبيرة فحسب، وبالرغم من تراجع خطر الإفلاس الفعلي للبنوك، إلا أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ما زالت تفضل الاحتفاظ بأموالها محمية، لأن أزمة العام الماضي كانت بمثابة تذكيراً لهم بضرورة تأمين مدخراتهم وتعب السنين، خاصة وأن المكائد الاقتصادية لا تنتهي، ومع ذلك، فقد تغيرت اهتمامات المودعين بشكل كبير مع استفحال التضخم، فلم يعد يشغلهم الحديث عن فشل النظام المصرفي، وإنما أصبح الهاجس الرئيس لهم يتعلق بمدى كفاية أموالهم لتغطية فواتيرهم الشهرية في ظل ارتفاع تكلفة كل شيء.




http://www.alriyadh.com/2059754]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]