مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها جائحة كورونا، ثم توابع التغيرات المناخية، ومشكلات الجفاف، وحرائق الغابات، والسيول والأمطار، توالت التبعات الاقتصادية المؤلمة على دول العالم، وتوقفت سلاسل الإمداد، واحترقت مخازن الغلال، وارتفعت أسعار الحبوب والغلال، ومن ثم ارتفعت أسعار كل الصناعات القائمة عليها، منها صناعة الدواجن والأسماك واللحوم والخبز، بل والملابس والمنتجات البتروكيماوية، وتذاكر السفر، واقتربت الاقتصاديات العالمية من حالة الشلل التام، نتيجة لارتفاع المدخلات الصناعية، وزادت بواليص الشحن والتأمين براً وبحراً وجواً، وكان النذير الأخطر انتشار المجاعات والحروب الأهلية كما يحدث في السودان وقبلها وأثنائها ليبيا، وحالة عدم الاستقرار بين الجارتين الكوريتين، فأصبح غذاء الإنسان مهدداً، وحياته بين فكي وأنياب الندرة والجشع.
لقد شهدت المنطقة العربية التي كانت تحاول فيه التغلب على تبعات كورونا وحرب أوكرانيا وانقطاعات سلاسل الإمداد، خلال العامين المنقضيين، كما واجهت في 2023 تحديات إقليمية جديدة، أثرت سلباً على قدراتها في إيجاد حلول عاجلة للأمن الغذائي، خاصة مع اندلاع النزاع في السودان والحرب في غزة وتداعياتها الإقليمية، في الوقت الذي اتخذت فيه المملكة العديد من الإجراءات، بل نفذت استراتيجيات بعيدة المدى، منها أن المملكة تخطط أن تكون منطقة لوجستية عالمية.
رحل عام 2023م بكل ما فيه، ونستشرف عام 2024م بكثير من الآمال، أن تنقشع غمة الحروب والقلاقل؛ لتعود سلاسل الإمداد لسابق عهدها، وتستقر أسعار المواد الغذائية.
إننا أمام مشكلة كبيرة –كمواطنين– فقد ارتفعت أسعار جميع السلع، بدعوى المشكلات التي تدب في أوصال الاقتصاديات العالمية، أين الحقيقة من ذلك؟
عندما ارتفعت أسعار الدواجن واللحوم والزيوت والأسماك، ومن ثم ارتفاع أسعار الوجبات الغذائية في المطاعم والمحال المختلفة، بدعوى ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب على وجه التحديد، وهذا ما تكذب زيفه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو»، لأننا باختصار أمام أسباب واهية لارتفاع الأسعار، وإذا ارتفعت لن تنخفض إذا انخفضت أسعار المنتجات الزراعية العالمية، ولنا في ذلك سوابق كثيرة.
نعلم أن الذرة والقمح وفول الصويا من أهم المدخلات في المنتجات الغذائية، منها الأعلاف وصناعتها، التي تؤثر وبسرعة فائقة في أسعار الدواجن واللحوم والأسماك والزيوت، أليس كذلك؟ بلى.. إننا يا سادة أمام حقائق كاشفة، يجب أن يعقّب عليها التجار ورجال الأعمال المستوردين لتلك المنتجات.
الأرقام العالمية تقول إن الأسعار في بورصات العالم للحبوب والغلال شهدت انخفاضاً كبيراً، وهذا ما أكدته المنظمة العالمية في كل القنوات الفضائية وموقعها الإلكتروني، وليس اجتهاداً منا، ويمكننا أن نعرض بعضاً من تلك الأرقام الواضحة الكاشفة لزيف ما يدعيه دعاة الغلاء في كل دول العالم.
هل تعلمون أن العقود الآجلة للذرة اختتمت في نهاية عام 2023 على أكبر خسارة سنوية لها منذ عقد ومازالت أسعارها متدنية عالمياً، بتراجعها بنحو 31%، ثم يأتي القمح السلعة الأهم فقد تراجع بنسبة 21%، كما شهدت أسعار فول الصويا تراجعاً بنسبة تزيد عن 15%.. فلو نظرنا إلى تلك السلع سنجدها التي تدخل في صناعة الأمن الغذائي العالمي بشكل مباشر، فلماذا على المستوى المحلي لم نجد نزولاً في الأسعار، بل مازالت ترتفع بشكل يومي وأسبوعي وشهري.. أليس الأمر يدعو للريبة؟
لقد أرجعت «الفاو» ثبات الأسعار المحلية للمواد الغذائية داخل البلدان في المنطقة العربية، لتراجع القدرة الشرائية للدول، رغم تراجع أسعار الذرة وفول الصويا، خاصة بعد انخفاض قيمة العملات المحلية للعديد من دول العالم العربي في مقابل الدولار.
إن العالم يشهد في الوقت الراهن زيادة في إنتاج المحاصيل الغذائية –حسب الفاو– حيث سجل فول الصويا أعلى إنتاجية في تاريخ البرازيل، وحققت الذرة نفس النجاح في الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل أيضاً، كما نجحت أوكرانيا في فتح ممرات ملاحية جديدة لتصدير منتجاتها من الذرة والقمح، ونأمل أن تنخفض أسعار البن والسكر أسوة بما حدث مع الحبوب.. وإنا لمنتظرون.




http://www.alriyadh.com/2059781]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]