بدأ كوب القهوة يحمل رمزية ليست ثقافية مباشرة، وإنما مرتبطة بالثقافة من خلال وسيط، وهو الموضة بصفتها ظاهرة متجددة تتخذ أشكالاً مختلفة ويهتم علم الاجتماع بها، فمن موضة البرمودا في اللباس إلى موضة الشاي وموضة الكرك وصولاً إلى موضة «كوب القهوة» في المشروبات التي اتخذت شكلاً أكبر وأكثر وضوحاً بسبب تغير طبيعة التسويق وآليات العرض، فالمقاهي بدأت تهتم بمسألة الواجهة التسويقية وخدمة السيارات؛ لذلك ظهرت موضة كوب القهوة أكثر وضوحاً بالإضافة لكون القهوة - القهوة في مادتها المشروبة وليس من خلال وجودها في وعاء يحمل شعاراً تجارياً - منتجاً يحمل دلالة ثقافية من حيث هي مشروب شعبي يرتبط بالكرام برابط وثيق في المجتمع السعودي.
القهوة في ماهيتها المادية بصفتها مشروباً يشير إلى ثقافة بعينها غير كوب القهوة الذي قد يربطه البعض بالقضية المادية والمستوى المعيشي ومعطيات تشير إلى التبذير مع إمكانية التوفير، ولذلك نجد أن هذا الفصل ضرورة ثقافية حتى تقرأ مفردة «القهوة» في سياقها الثقافي الصحيح، فنلاحظ أن مسابقة وزارة الثقافة ربطت القهوة بالثقافة السعودية، ونجحت نجاحاً لافتاً كونها توجهت إلى المادة الثقافية ولم تتوجه إلى الشكل المتغير المتمثل في الوعاء الذي يحمل دلالات مختلفة.
كوب القهوة مرتبط بالمقهى الذي يقدمه، وظهوره على شكل علامة «إيقونة» يدل على نجاح الفكر التسويقي الذي يحمل دلالة «اللامكان» في كثير من الحالات، فالمقاهي العالمية عبارة عن محطات منفصلة عن السياق الاجتماعي والبيئي المحيط بها، فهي منتج تجده في أي مكان من العالم ولا يحمل دلالات من البيئة لا في شكل المقهى ولا في شكل الكوب عدا بعض المحال التي بدأت تضع شكل السدو أو الجمل على كوب القهوة لتربطه بالمكان والبيئة المحلية. من جهة أخرى فإن الفكر التسويقي الحديث يجعل اختيار أماكن المقاهي الأبرز بين النشاطات الأخرى، مما يلفت النظر إليها دون غيرها، ويجعل الزحام حولها كأنه الزحام الوحيد حول هذا الكوب من القهوة.
القهوة منتج مرتبط بالمجتمع والاقتصاد والثقافة في صورتها الخام منذ زراعتها فهي ترتبط ببيئة مناسبة، ومجتمع زراعي وإن كان قد خاض غمار الحضارة، وهي مرتبطة بثقافة اجتماعية تجعلها تتخذ من هذه الثمرة بعد قطفها مشروباً يرتبط بثقافات مختلفة، فقشرة القهوة - كاسكارا - تعتبر مشروباً يرتبط بمكان ومجتمع، ولب القهوة يرتبط بأمكنة أكبر على مستوى العالم، وهي مادة تجارية تباع على شكل منتج يكون عند بعض المنتجين المادة الأكثر أهمية أو من أكثر المواد أهمية في ميزانها الاقتصادي، ولكنها عندما تصبح علامة تجارية، فإنها تخرج من هذه القوالب بشكلها المباشر والواضح وتصبح أكثر ارتباطاً بالمسألة الترويجية، ولا تحمل أي دلالة عند قرأتها في سياقها الفردي أو الاجتماعي تشير إلى إمكانات مادية أو خلل في مبدأ الصرف والادخار والتوفير، فكوب القهوة شعور يمنحه الإنسان لنفسه من خلال هذا الكوب لا يشير إلى حالة من التبذير أو الإسراف بأي حال من الأحوال، فالمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لها عناصر دقيقة تحددها وتوضح معالمها.




http://www.alriyadh.com/2059943]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]