تصاحب الصدقة كاميراتٌ تصور وتنشر، في وقت انعكست فيه الآية فصار المتصدق المعطي يتعفف أو يظهر نفسه في حال فاعل الخير الذي لا يريد إلا وجه الله والدار الآخرة، ثم هو ينشر للناس صور الفقير أو المسكين أو المحتاج بطرق شتى، في طلب لإجابة عن سؤال تافه، أو تحقيق أمنيات تبين أن المتصدق بحث حال المحتاج وعرفها
تروي الأخبار عن سعيد بن العاص أن أناسا تعشوا عنده، ثم انصرفوا، وبقي فتى من الشام لم ينصرف، فسأله سعيد: ألك حاجة؟ وأطفأ الشمعة كراهة أن يحصر الفتى عن حاجته، أي: أن يستحيي من ذكرها. فذكر الفتى أن أباه مات، وخلّف دينا وعيالا، وسأله أن يكتب إلى أهل دمشق ليقوموا بإصلاح حاله، فأعطاه سعيد عشرة آلاف دينار، وقال: لا تقاسِ الذل على أبوابهم.
علق بعض القرشيين على هذا فقال: والله لإطفاؤه الشمعة أكثر من عشرة آلاف.!
قال أبو عبدالإله: وقعت عيناي على برنامج يخفي المتصدق نفسه ويظهر المحتاج في أسوء حالاته، من الذل والانكسار والحاجة. وبرنامج آخر يحقق للمحتاجين أمنياتهم، لكنه يظهرهم في أقبح ما يكون من الضعف والفضيحة والتشهير.
وغير ذلك كثير مما تصاحب الصدقة كاميراتٌ تصور وتنشر، في وقت انعكست فيه الآية فصار المتصدق المعطي يتعفف أو يظهر نفسه في حال فاعل الخير الذي لا يريد إلا وجه الله والدار الآخرة، ثم هو ينشر للناس صور الفقير أو المسكين أو المحتاج بطرق شتى، في طلب لإجابة عن سؤال تافه، أو تحقيق أمنيات تبين أن المتصدق بحث حال المحتاج وعرفها، ثم هو يستغل فقرهم وعوزهم ليظهر مدى إخلاصه، ويبين للجمهور المتابع عفته وكرمه في العطاء، وفضح المحتاج في الأخذ، ويستغل دموع الفرح أو الحزن، أو مواقف العزة منهم أحيانا ليزيد من انتشاره، ويرفع سقف المتابعين له!.
في رأيي أن استغلال هذه الحالات من أحقر مراتب المروءة، وأنذل أخلاق الإحسان والبذل. ولو حاولنا إيجاد العذر وإحسان الظن فإنا لا نستطيع تعليل إظهار صور الفقراء والمساكين، وهم في حالة يرثى لها، وليس استدرار عطف المشاهدين سببا كافيا لهذا التشهير، لم لا يسترونهم كما ستروا أنفسهم، إن كانوا صادقين؟
وقد قال تعالى في محكم تنزيله «إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم» قال الشيخ ابن عاشور في تعليق له على حديث فضل إخفاء الصدقة من صحيح مسلم: عطف إيتاء الفقراء على الإخفاء المجعول شرطا للخيرية في الآية – مع العلم بأن الصدقة للفقراء – يؤذن بأن الخيرية لإخفاء حال الفقير، وعدم إظهار اليد العليا عليه، أي: فهو إيماء إلى العلة، وأنها الإبقاء على ماء وجه الفقير، وهو القول الفصل لانتفاء شائبة الرياء.
فتأمل كيف راعى الله سبحانه حال الفقير المتعفف الذي يحسبه الناس غنيا، أو هو على الأقل مستور الحال لا يود أن ينكر مظهره أمام أهله وأقربائه، وجيرانه، ومحبيه، وقد يتجمل أمامهم بما يخفي حاله المتردية، ثم يأتي هذا المتصدق بغطاء شرعي، أو بعلة واهية لفعلته، وبيان يده العليا، ويد المسكين السفلى، إذ يصورها لنا على أنها من باب تحفيز الناس أو من باب حثهم على فعل الخير والصدقة، ولو سلمنا بهذا الهدف السامي ظاهرا، فإنه مذكور في أول الآية من إبداء الصدقة العامة، كبناء المساجد، والمساهمة في حملات التبرع الرسمية، وغيرها من وجوه البر التي لا تفضح الفقير ولا تشير إليه ببنان.
وأما إذ كان الفقير المحتاج في حال من الضعف والعوز فإن حماية ماء وجهه لا يعدلها مال الدنيا، ولا يحفظها تناقل الناس لمقاطعها في وسائل التواصل الاجتماعي، بل هي تشهير وفضح، لا تليق بأخلاق المسلم الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والله المستعان. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2060065]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]