لم يكن هذا الأسبوع عادياً لليابان، بل كان قاسياً جداً، فقد خسر العملاق الآسيوي لقب ثالث أكبر اقتصاد عالمي، لصالح ألمانيا، وربما تكون هذه لحظة الحقيقة لاقتصاد انطلق من العدم في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي شهدت تدميراً هائلاً لأجزاء كبيرة من البلاد، إلا أن اليابانيين نحتوا حينها في الصخر حتى أصبحوا ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، واستمر زخم النمو القوي خلال السبعينيات والثمانينيات، لدرجة أن البعض توقع أن تصبح اليابان أكبر اقتصاد عالمي، وهو ما لم يحدث بفعل تباطؤ النمو، والانفجار الكارثي لفقاعة الأصول اليابانية أوائل التسعينيات مما أدى إلى عقود ضائعة من الركود، وهو ما أعطى الفرصة للصين لكي تزيح، عدوها التاريخي، من وصافة الاقتصاد العالمي في عام 2010.
هنا يبدو السؤال: لماذا تراجعت اليابان، رغم أنها كانت تحتل وصافة الاقتصاد العالمي قبل أربعة عشر عاماً فقط؟ الحقيقة، أن الأمر لم يكن مفاجئاً للمراقبين، بل كان ضمن توقعات صندوق النقد الدولي، ففي عام 2023، بلغ الناتج المحلي الإجمالي في اليابان 4.2 تريليونات دولار، في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا 4.4 تريليونات دولار، وكان ضعف الين الياباني سبباً رئيساً في هذا التراجع، بالإضافة إلى تقلص أعداد السكان، وتباطؤ الإنتاجية، والقدرة التنافسية، وعلى الرغم من أن الاقتصادين الياباني والألماني مدعومان بالشركات الصغيرة والمتوسطة ذات الإنتاجية القوية، إلا أن الألمان تفوقوا للغاية على نظرائهم اليابانيين خلال العقدين الماضيين، ولعل السلطات في طوكيو تنظر للأمر باعتباره دعوة صريحة لتسريع الإصلاحات الاقتصادية المهملة.
بجدارة، قادت ألمانيا أسواق المنتجات الراقية مثل السيارات الفاخرة، والآلات الصناعية، وباعت الكثير منها للعالم، لدرجة أن نصف اقتصادها بات معتمداً على الصادرات، وبينما أصيبت اليابان بالشيخوخة، مع تقلص أعداد السكان إلى 122.4 مليون نسمة، ووجود أعداد قليلة من المقيمين الأجانب (3 ملايين فقط)، ارتفع عدد سكان ألمانيا إلى قرابة 85 مليون نسمة، وقد ساعدت الهجرات إلى ألمانيا في تعويض انخفاض معدل المواليد، وبالرغم من أن الهجرة تعد إحدى الطرق المهمة لحل مشكلة نقص العمالة في اليابان، إلا أنها لم تتقبل إلى حد ما العمالة الأجنبية، وهناك سبب آخر لبطء النمو في اليابان وهو ركود الأجور، وهذا يعني أن اليابانيين لديهم أموال أقل لإنفاقها، والأسوأ، أن الشركات اليابانية استثمرت بكثافة في الاقتصادات الأجنبية بدلاً من سوق بلادهم القديمة والمتقلصة.
وعلى سبيل المقارنة، وبالعودة إلى أرقام عام 2023، فقد بلغت صادرات اليابان من السلع 746.9 مليار دولار، أما ألمانيا فصدرت بضائع بقيمة 1.562 مليار يورو، وعلى مستوى النمو، حققت اليابان نمواً بنسبة 1.9 %، فيما انكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.3 %، وعلى مستوى أداء العملة، انخفض الين الياباني بنحو 7 %، بينما ارتفعت العملة الأوروبية الموحدة اليورو 3.2 %، وعلى مستوى الدخل، وصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في اليابان إلى 34 ألف دولار سنوياً، وهو مستوى قياسي منخفض بالنسبة لاقتصاد كان يحتل المركز الثالث عالمياً حتى وقت قريب، في المقابل، وصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 43 ألف دولار، وبالرغم من هذا التفوق الألماني، إلا أن الشركات الألمانية تضررت بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة، وزيادة أسعار الفائدة، فضلاً عن عدم اليقين الاقتصادي، والنقص المزمن في العمالة الماهرة.




http://www.alriyadh.com/2061429]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]