إن تعظيم بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة سياسة ثابتة وصارمة تعمل وتحرص عليها المملكة العربية السعودية، ولا يمكن أن تتنازل عنها أو تساوم عليها؛ انطلاقاً من حرصها على توفير أقصى وأسمى وسائل الأمن والأمان والراحة والاطمئنان والسكينة لعباد الله وضيوف الرحمن..
الإجلال، الاحترام، الإكرام، التبجيل التقدير، التمجيد، التوقير، الإكبار، التشْرِيف، السّمُو، جميعها مُترادفات سامية لمعنى كلمة أو مصطلح التَّعْظِيم، وإذا كان التَّعظيم بهذه المعاني السَّامية والرفيعة، فإن عمق معانيها وسمو مكانتها تتبين وتتأكد أكثر وأكثر من معرفة أضدادها من الكلمات والمصطلحات ومن ذلك التصغير، والتحقير، والإذلال، والإخضاع، والإزدراء، والامتهان، والإهانة، والوضاعة، والتسفيه، والدناءة، وغيرها من كلمات وصفات ومصطلحات تعبر عن السفاهة والتفاهة والحماقة. إذاً نحن أمام جانبين متضادان تماماً في المعاني والأهداف والغايات، فإما التَّعظيم والسمو والرفعة، وإما التصغير والذُل والمهانة، بحيث إنهما لا يمكن أن يلتقيان للتعبير عن حالة واحدة أو موضع واحد. وبما أن التَّعظيم يُعبِر عن السمو والرِفعة والعزة والتبجيل، فقد تم التأكيد على الأخذ به وبأسبابه ومسبباته في المواضع والأماكن والمواقع الرفيعة والعزيزة والشريفة والأكثر أهمية وإجلالاً، ومن ذلك أعظمها على الإطلاق بيت الله الحرام.. نعم، إن منزلة التَّعظيم عالية وسامية ورفيعة بحيث إنها واجبة يقيناً في وعِندَ بيت الله الحرام، وعلى ذلك جاء التأكيد في العديد من النصوص القرآنية الكريمة ومنها: قوله تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والرُكع السجود" (125) سورة البقرة.
وقوله تعالى: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين (96) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنَّ الله غنيٌ عن العالمين" (97) سورة آل عمران. وقوله تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقونِ يا أولي الألباب" (197) سورة البقرة. وقوله تعالى: "إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم (25) وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود (26) وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (27) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (28) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق (29) ذلك من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور" (30) سورة الحج. وفي الحديث الوارد في صحيح البخاري برواية عبدالله بن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنَّه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا يُنفَّرُ صيده، ولا يلتقط إلى من عرَّفها، ولا يختلى خلاها،". نعم، لقد أكدت هذه النصوص الشرعية، وغيرها من نصوص كثيرة واردة في الشريعة الإسلامية، على تعظيم بيت الله الحرام تعظيماً مُطلقاً واجب العمل به والأخذ بأسبابه ومسبباته.
نعم، وانطلاقاً من هذه التوجيهات العظيمة الواردة في القرآن الكريم وسنة نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، عملت المملكة العربية السعودية مُنذُ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - طيب الله ثراه - على تطبيق هذه التعاليم والتوجيهات المقدسة الداعية لِتَّعظيم بيت الله الحرام على جميع المستويات وفي كل المجالات الواجب العمل عليها والأخذ بها. نعم، لقد حرصت المملكة العربية السعودية حِرصاً شديداً على تعظيم بيت الله الحرام، وكذلك على تعظيم المسجد النبوي الشريف، بالإضافة لتعظيم المشاعر المقدسة في منى وعرفات ومزدلفة، وكذلك بيوت الله، عملاً بما وجهت به النصوص القرآنية والسنة النبوية المطهرة، حتى أصبحت جميعها أماكن طاهرة ونظيفة وآمنة لمرتاديها من عباد الله وضيوف الرحمن على مدار اليوم والليلة. وإذا كانت هذه هي الصورة الشاملة والعامة والظاهرة عن خدمة المشاعر المقدسة وبيوت الله في المملكة العربية السعودية، فإن ما عملت عليه المملكة العربية السعودية على امتداد تاريخها الممتد مُنذُ تأسيسها وحتى يومنا هذا في عهدنا الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظهما الله - من تعظيم لبيت الله الحرام، ومن تعظيم للمسجد النبوي الشريف والمشاعر المقدسة، يدلل دلالة بيّنه وجلية على مدى التَّعظيم الذي عُمل عليه في سبيل المحافظة على حُرمة هذه المشاعر المُقدسة، وتعظيم مكانتها في نفوس عباد الله، وتهيئتها على مدار اليوم والليلة لضيوف الرحمن القادمين لها من مختلف بقاع الأرض على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم.
نعم، قد يعتقد المُشاهد القريب والبعيد في وقتنا الراهن، وقد يعتقد الزائر من قريب ومن بعيد في وقتنا الحاضر، وقد يظُن ضيوف الرحمن المستمتعين بعباداتهم في يومنا هذا، أن الأمن والأمان العظيم في بيت الله الحرام وفي المشاعر المقدسة مسألة متوارثة عبر القرون السابقة وحتى يومنا هذا، وبأن الخدمات والتسهيلات العظيمة في بيت الله الحرام وفي المشاعر المقدسة نتاج للقرون السابقة حتى وصلتنا في وقتنا الراهن، وبأن البناء والتشييد العظيم والمساحات الشاسعة والمتاحة لضيوف الرحمن في بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة جهود قامت بها الدول والحكومات خلال القرون السابقة حتى وصلتنا هكذا في وقتنا الحاضر، وفي ذلك جهل عظيم لما كانت عليه الأوضاع قبل المملكة العربية السعودية التي أسس بنيانها الحديث الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - طيب الله ثراه -.. نعم، فبعد عصر الخلافة الراشدة، وقليل من فترات الدولة الإسلامية في عهديها الأموي والعباسي، لم يحظ المسجد الحرام والمشاعر المقدسة بالتَّعظيم الواجب أداؤه تجاههما، ولم يجد ضيوف الرحمن الأمن والأمان والراحة والاطمئنان والسكينة الواجب توفرها ليتمكنوا من أداء مناسكهم وفروضهم الدينية على الوجه المطلوب والصحيح، إلى أن جاء الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ليتغير ذلك كله ليصبح على ما هو عليه الوضع في وقتنا الراهن. نعم، لقد عملت المملكة العربية السعودية على تعظيم بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة على أكمل وجه ابتداءً من توفير الأمن والأمان ليتمكن ضيوف الرحمن من أداء واجباتهم ومناسكهم الدينية من غير خوف على أنفسهم وأموالهم وأهليهم، وصولاً إلى توفير كافة الخدمات والتسهيلات العظيمة التي تجعل ضيوف الرحمن يؤدون مناسكهم الدينية بكل راحة ويسر ورفاه، وانتهاءً بالبناء والتشييد العظيم لبيت الله الحرام والمشاعر المقدسة لتستوعب الملايين من ضيوف الرحمن في اليوم والليلة، وعشرات الملايين على مدار العام. نعم، إن المملكة العربية السعودية تحرص حرصاً شديداً على أن تهيئ بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة تهيئة تليق بمكانتها الإسلامية المقدسة، مهما كلفها ذلك من موارد مالية ومادية وبشرية، ابتغاءً لرضا الله سبحانه وتعالى، وتنفيذاً لما حثت عليه النصوص الشرعية المقدسة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وفي الختام، من الأهمية القول إن تعظيم بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة سياسة ثابتة وصارمة تعمل وتحرص عليها المملكة العربية السعودية، ولا يمكن أن تتنازل عنها أو تساوم عليها انطلاقاً من حرصها على توفير أقصى وأسمى وسائل الأمن والأمان والراحة والاطمئنان والسكينة لعباد الله وضيوف الرحمن في اليوم والليلة وعلى مدار العام. نعم، إن تعظيم بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة مسألة تتعلق بالعقيدة الإسلامية الصحيحة التي توجب على أبنائها الالتزام بالنصوص الشرعية، وتبعدهم بتعاليمها وتوجيهاتها المقدسة عن اتباع الأهواء والضَّلالات المُضرة بالنفس وأمنها، والمهلكة للإنسان وحياته، والمشوهة لأبناء الأمة الإسلامية أمام الأمم الأخرى. نعم، هكذا يكون تعظيم بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة مهما كانت الظروف والأحوال، وهكذا يجب أن يكون على امتداد الأوقات والأزمان، وهذا الذي تعمل وتحرص عليه المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة وأبناؤها الكرام، وكل مُسلم صحيح العقيدة الإسلامية.




http://www.alriyadh.com/2062012]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]