ثمّة حاجة راهنيّة ومُلحّة لتنمية وتطوير القدرات البشرية وإعدادها لمجابهة المستقبل، ليس على المستوى المحلي، وإنما على مستوى جميع الدول، سيما وأن العالم يعيش أفراده تحدياتٍ كبيرة وخطيرة فرضتها التغيرات العالمية الجديدة كالثورة التقنية، والذكاء الاصطناعي، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر وغيرها من تحديات. وتأتي أهمية الإنسان ومحوريّته باعتباره جوهر عملية البناء والنهضة، وذلك عبر تنمية قدراته ومهاراته، فهو رأس المال البشري الأهم لأصول التنمية والازدهار.
مؤتمر مبادرة القدرات البشرية الذي انطلق برعاية كريمة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبتنظيمٍ من برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج رؤية السعودية 2030، يشكّل منصة عالمية لتحفيز التعاون الدولي وإيجاد حلول للتحديات المستقبلية في تنمية القدرات البشرية، والتي تجمع الجهات والمنظمات ذات العلاقة في هذا المجال.
فالمؤتمر جاء استجابة فاعلة ومهمة لما يعيشه العالم من التحديات العالمية والتي دقّ ناقوس خطرها ما أعلن عنه الخبراء، حيث ورد في تقرير المنتدى الاقتصاد الدولي لعام 2023م بأنه سيتم استبعاد 83 مليون وظيفة واستحداث 69 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2027، نتيجة للتغيرات العالمية الجديدة كالثورة التقنية والتحول إلى الاقتصاد الأخضر.
هذا التحذير يعكس حجم التأثيرات المتعلقة بالوظائف، فقد لفت النظر إلى أن هناك تراجعاً في الطلب على الوظائف الإدارية والأمنية والصناعية، وكذلك على المهارات؛ ما يعني الحاجة إلى التطوير وإعادة التأهيل، وزيادة الطلب على المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة خلال الخمس سنوات المقبلة.
ولا يخفى على المتابع أن جائحة كورونا التي طالت بلدان العالم قبل سنوات كشفت مدى الحاجة لتنمية القدرات البشرية، فقد أثبت هذا الوباء العالمي ضرورة أن تتحرّك الحكومات والمنظمات التجارية وغير الربحية، وتعمل على تطوير المعايير العالمية والتوصل لمنهجية موحدة لتنمية القدرات البشرية وتهيئة الشباب للمتغيرات المستقبلية، وكيفية التكيف معها مهارياً ووظيفياً.
والمملكة بما لديها من ثقة دولية، وسمعة عالية، وتجربة نموذجية في التطوير والابتكار وصياغة المستقبل؛ فضلاً عن امتلاكها استراتيجية طموحة من خلال برنامج تنمية القدرات البشرية، وبدعم من القيادة الرشيدة، فقد كانت مالكة لزمام المبادرة وقيادة قاطرة التطوير للتنمية البشرية؛ إذ حقّقت نجاحات لافتة لإعداد مواطن منافس عالمياً عبر الاستثمار في المواهب والكفاءات الوطنية، وضمان المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال ودعمها، وإعادة تأهيل المهارات وتطويرها.
المؤتمر الدولي الذي احتضنته الرياض يُعنى بتنمية القدرات البشرية لتعزيز الجاهزية للمستقبل وفرصة العمل مع الشركاء الدوليين، لمواجهة التحديات وتبادل الخبرات والممارسات الإقليمية العالمية الناجحة في هذا المسار، لتتوحد فيه الرؤى والتصورات؛ وهو الأول من نوعه كمنصة تعاونية عالمية تهدف إلى تطوير منظومة القدرات البشرية من خلال تمكين الأفراد والإسهام في بناء اقتصاد مزدهر، وسيكون المؤتمر ملتقى لأكثر الجهات تأثيراً ونشاطاً في المجال للعمل معاً في بناء الأفكار والابتكارات وتوظيف أحدث التقنيات في تنمية القدرات البشرية، فهو يجمع أكثر من 200 متحدث عالمي من صنّاع السياسات، وروّاد الأعمال، والمؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث والابتكار، والقطاع غير الربحي والمؤسسات الاجتماعية، بالإضافة إلى نخبةٍ من القادة المؤثرين في أكثر من 50 دولة حول العالم، لمناقشة أوجه التعاون والمساهمة في تنمية القدرات البشرية على الصعيدين المحلي والدولي.
وعلى هذا الأساس سيعوّل على المؤتمر صياغة الحلول الأنجع لتعزيز التعاون مع المجتمع الدولي في تنمية القدرات البشرية، من خلال التركيز على التوجهات العالمية المؤثرة في هذا المجال إضافة إلى ترسيخ القيم وتطوير المهارات وتنمية المعارف التي يتطلّبها سوق العمل الحالي والمستقبلي محلياً وعالمياً، تماشياً مع رؤية السعودية 2030 التي تلتزم بتمكين القدرات البشرية، لتطلق العنان لإمكانياتهم وتحقق طموحاتهم.
العيون والقلوب مشرئبّة لمخرجات هذا المؤتمر وإسهامه المرتقب في وضع أجندة عالمية مستدامة تبتكر حلولاً للقدرات البشرية من الفئات العمرية كافة، ولإحداث تحوّلات جذرية تستشرف المستقبل وتسهم في بناء مستقبل واعد.




http://www.alriyadh.com/2062207]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]