هل من الضروري تعليب البشر كما نفعل مع المنتجات الغذائية؟ كيف يتفق مع المنطق أن نصنف الإنسان ونضعه في صندوق نكتب عليه ( علماني أو ليبرالي أو متطرف أو شيوعي) استناداً إلى شكله أو كلمة قالها في ظروف معينة أو رأي في موضوع أو أزمة إنسانية أو سياسية أو كارثة طبيعية؟ مر بنا زمن يتردد فيه الإنسان في إبداء رأيه خوفاً من دخول صندوق التصنيف. الصناديق جاهزة بعناوينها تنتظر قرار المصنفين. لا أحد يعرف من هم أصحاب القرار، قد يكون زميلك أو صديقك أو أحد أفراد عائلتك أو رئيسك في العمل. يصر المصنفون على تقييد الإنسان بفكر معين، لا يعرفون هذا الإنسان لكنهم يصنفونه عن بعد لمجرد الاختلاف في الرأي أو حتى اختلاف الملابس! وهذا سبب من أسباب الحوارات الفاشلة التي يسبقها طباعة مسميات على جبهات المتحاورين، وأحكام جاهزة.
نوع آخر من التصنيف هو تصنيف الدول، اشتراكية، ثورية، رجعية، ديموقراطية.. إلخ. استخدمت هذه الأوصاف أو المسميات في حالتي الثناء والهجاء في الخطابات الرسمية وفي وسائل الإعلام. لم تكن تلك المسميات في الغالب مستندة على دراسات أو أبحاث وإنما كانت تنطلق من دوافع سياسية.
بعض تلك المسميات السياسية أثبت الواقع بلغة الحقائق والأرقام أنها مجرد أسلحة دعائية خلفها دوافع مختلفة أحدها الابتزاز أو خداع الشعوب بالشعارات، والقيم التي أول من يخالفها من يتحدث عنها بمناسبة وبدون مناسبة مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان.
تصنيف الدول يستخدم للثناء والهجاء فيقال عن دولة معينة أنها تحترم حقوق الإنسان وهي في الواقع أكثر من ينتهك هذه الحقوق داخل حدودها وخارجها، نفس التناقض يحدث في مبدأ حرية التعبير. الإعلام القوي الموجه يساهم في عملية التصنيف وترسيخ المسميات في أذهان المتلقي، صندوق التصنيف جاهز ومفتاحه مع دول أعطت لنفسها مسميات جميلة براقة ونصبت نفسها في موقع القيادة وموقع القضاء العالمي.
الدول التي قيل عنها إنها رجعية سلكت طريق التعليم والبناء والاهتمام بالإنسان واستثمار إمكاناتها في التنمية المستدامة فكانت النتيجة إنجازات مبهرة في المجالات المختلفة، وتحقيق موقع قيادي على مستوى العالم. أما دول الشعارات وإطلاق الأوصاف والتصنيفات التي تعتبر نفسها ( ثورية ) فهي دول نائمة تستيقظ فقط لشتم الدول الناجحة ثم تعود إلى النوم!
يلعب الإعلام غير النزيه دوراً مؤثراً في تشكيل صورة مثالية أو سيئة عن الأفراد والدول عن طريق التقارير والمقالات والأفلام لتوجيه المتلقي وتثبيت الصورة الجميلة أو المشوهة في ذهنه عن الأفراد والدول والمجتمعات. هل أصبح هذا الوضع من الماضي بتأثير التقنية وثورة الاتصالات وارتقاء وعي المتلقي؟ هل تصنيف الأفراد والدول لا يزال سلوكاً يقاوم التغيير؟ تلك أسئلة تحتاج إلى دراسة يقوم بها باحث غير مصنف.




http://www.alriyadh.com/2062553]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]