لا شك في أن تجريم التفحيط ساهم في اختفائه من الشوارع السعودية، ولا بد من التعامل مع بقية السلوكيات بأساليب مشابهـة، كتغليظ العقوبات وترقية المخالفة المرورية الخطرة إلى جريمة، والعمل الفعلي بنظام النقاط، وسحب الرخصة والمنع من القيادة لفترات طويلـــة..
في 26 فبراير من العام الجاري، نشر المركز الوطني لاستطلاعات الرأي، أرقاماً مهمة عن المخالفات المرورية، وقال: إن 52 % من هذا المخالفات حدثت بسبب استخدام الجوال أثناء القيادة، و35 % نتيجة لانشغال السائق بمتابعة خرائط غوغل فيه، والمخـــــالفة عليهما في العادة لا تتجاوز 900 ريال أو 240 دولاراً، رغم خطورة هذا التصرف فقد أشــــارت إحصاءات جهاز المرور السعودي لعام 2017 أن استعمال الجوال مسؤول عما يزيد على 78 % من حالات اصطدام السيارات وجهاً لوجه، وفي أواخر 2018 أوضح الجهاز نفسه رصد 460 حالة وفاة يتحملها الجوال، وهيئة المواصفات والمقاييس والجودة المحلية اتهمت الجوال بالتـــورط في أكثـــر من 161 ألف حــادث مروري سنوياً، وأكد مركز وفيات الحوادث بالهلال الأحمر في المملكة أن 13 وفـــاة من كل مئة ألف سببها الجوال، والأخير يعتبر عاملاً أساسياً في 52 % من حوادث الطرق حول العالــــم، ربما لأنـــه -في اعتقادي- يأخذ كامل تركيز الشخص، والحادث تكفيه ثانية.
الحوادث المرورية في المملكة عام 2016، كلفت الاقتصاد السعودي خمسة مليارات دولار، و20 حالة وفاة و35 إعاقة حركية يومياً، وحــــادثاً مرورياً واحــــداً كل 30 ثانية، وبمعــــدل 68 وفاة لكل مئة ألف، وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية، والمتوسط العالمي في حدود 7 وفيات لكل مئة ألف، وكنا في المركز الثاني عربياً بعد جزر القمر، وجاء في المراكز من الثالث إلى العاشر، ليبيا والصومال وموريتانيا واليمن والسودان وسلطنة عمان وجيبوتي والجزائر.
لعل المشكلة في أن بعض الطرق المركزية في المــــــدن السعودية الرئيســـة عمرها قارب الأربعين عاماً، كطريقَي الملك فهد وخريص في الرياض، بالإضافة لأنها غير مهيأة لخدمة النقل العام، وليس هناك تخطيط هندسي مناسب لمواقف السيارات واللوحات الإرشادية فيها، أو إدارة فاعلة للطرق في أوقات الذروة والاختناقات، ولا توجد مسارات خاصة ومستقلة لحالات الطوارئ، بخلاف أن 9 % من الحوادث في المملكة يكون السائق فيها طفلاً لم يصل لسن العاشرة.
لا بد من ملاحظة أن 30 % من الحوادث المحلية تقع داخل المدن والبقية خارجها، والثانية يمكن معالجتها بطريقة (النكز)، المعروفة في علم الاقتصاد السلوكي، وتكون بتحفيز الأشخاص على اتخاذ قرارات معينة دون التأثير عليهم، ومن الأمثلة: أنه في مدينة شيكاغو الأميركية، لوحظ وقوع حوادث كثيرة في أحد الطرق الساحلية، وتحديداً في مكان ينحني عنده الطريق، ولصعوبة إجراء تغيير جذري، قامت الإدارة المسؤولة عن الطريق، بتقريب الخطوط الأفقية المرسومة على أرضية الشارع بالتدريج، وكلما اقترب السائق من المنحنى، ما يعطيه إحساساً بأنه يسير بسرعة أعلى من الواقع، ويجعله يخفض من سرعته عند المنحنى، وقاموا بوضع أشجار على جانب الطريق وقربوها من بعضها بمجرد الاقتراب منه، وكلاهما ساهم في حل الإشكالية، والمتوقع في 2025 أن تكون 70 % من السيارات المصنعة في العـــــالم مزودة بكامــيرات ومتصلة بالإنترنت، ما سيحسن من أساليب فهم الحوادث.
العشوائية السابقة في التعامل مع الحوادث لم تعد موجودة، وبالأخص بعد توحيد اختصاصاتها في اللجنة الوزارية للسلامة المرورية برئاسة وزارة الصحة السعودية، فالمسألة ليست سهلة، لأن إصابات الحــــوادث المرورية تأتي على رأس أسباب الوفيات لمن تتراوح أعمـــارهم ما بين 15 عاماً و29 عاماً، وتوجد تجارب أوروبية وآسيوية نجحت في الوصول لأقل من 3 وفيات لكل مئة ألف، وبالإمكان البناء عليها لخفض الحوادث، والجامعات السعودية لديها كراسي بحثية للسلامة الـمـــرورية، ولا بد من تفعيل دورها المجتمعي، إلى جانب تسليم الطرق الرئيسة داخل مدن المملكة لشركات احتــــرافية تفكر بعقولها لا بأقدامها، وتتولى مسؤولية إصلاحها، وإدارة الحركة المرورية فيها.
في كل الأحوال، الأمور أفضل في هذه الأيــــام، فقد كشفت منظمة الصحة العالمية في يونيو 2023، عن تراجع الحوادث المرورية في المملكة بنسبة 35 %، خلال الأعوام الخمسة الماضية، والمطلوب أن يصل الانخفاض إلى 50 % في 2030، والوفيات إلى 8 لكل مئة ألف، وأتصور أنها ممكنة، بالنظر لوجود كاميـــــــرات الرصد الآلي للمخالفات المختلفــة، وارتفـــــاع أعــــدادها بنسبة 320 %، خصوصاً تلك التي تــــؤثر في نسب الوفيـــــات والإصابات، كالســـــرعة المفرطة والكلام بالجوال وعدم ربط حزام الأمان، وتوصلت دراسة إلى أن نسبة الالتزام بعدم استخدام الجوال، ارتفعت من 33 % إلى 75 % بعد إقرار مخالفة آلية عليه، رغم أنها لم تغير من السلوك المروري لمستخدمي الطريق داخل المدن، ولا شك في أن تجريم التفحيط ساهم في اختفائه من الشوارع السعودية، ولا بد من التعامل مع بقية السلوكيات بأساليب مشابهـة، كتغليظ العقوبات وترقية المخالفة المرورية الخطرة إلى جريمة، والعمل الفعلي بنظام النقاط، وسحب الرخصة والمنع من القيادة لفترات طويلـــة، كما هو الحال في أوروبا وأميركا، مع التأكد من كفاءة مدارس القيادة والقائمين عليها، وأنها تقوم بعملها كما يجب ولا تجامل أحداً.




http://www.alriyadh.com/2062647]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]