إني لأعلم أن من يقرأ مقالي هذا يعلم هذه الوصية ويحفظها، ولكنها تذكرة لي وله، لعلنا نعمل بها، إنها وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين جاء إليه رجل فقال: أوصني. قال: لا تغضب. فردد مرارًا، قال: لا تغضب. وهي وصية وجيزة جامعة لخصال الخير، أن لا يغضب، فلما ردد المسألة عليه مرارًا، ردد عليه الجواب، فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير..
لحبيبنا صلى الله عليه وسلم أقوال، ووصايا، هي بلسم للقلوب، وحلية للعقول، وإطار لأخلاق به تسمو، وفي فضائه تحلق.
والوصية دليل إشفاق ومحبة، وعلامة نصح، وإخلاص، قال أحدهم:
ألا من مبلغ عني يزيدا
وصاة من أخي ثقة ودود
فالأخ الودود، والأب العطوف، والأم الحنون، والصديق المخلص، كلهم ينصح، ويوصي من آخاه، أو كان له ابنا عزيزا، أو محبا وصديقا.
ومن هنا كان لوصايا الحبيب صلى الله عليه وسلم أثرا عظيما، لأنها وصية محب، عزيزٍ عليه، ما يُعنت أمته، حريصٍ على ما ينفعها «بالمؤمنين رءوف رحيم». ، فليس في الناس من هو أرحم بهم منه صلى الله عليه وسلم، ولا فيهم من هو أشد منه نصحا، ولا حبا للخير لهم، فتكون وصيته أحرى بالقبول، وأبلغ في التأثير في قلب من يتلقاها، وهو عالم بالموصي، محبٌ له، واثقٌ في صدقه، مؤمنٌ بحرصه عليه ورغبته الخير كل الخير له.
والوصية تكون في المال، وفي غيره، يهمنا في مقالنا هذا الوصية في غير المال، إذ في ثناياها التوجيه والنصح والإرشاد، وبها تحقيق مصالح، وجلب نفع، أو درء مفاسد ورفع ضر.
والوصية من الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى، وصية ليست عن تجربة، أو رأي، بل هي وصية عن يقين ووحي، حتى إنها لا تقتصر على الموصى فقط، بل تتعداه إلى كل من سمعها، أو تلقاها بالقبول فعمل بها.
وإني لأعلم أن من يقرأ مقالي هذا يعلم هذه الوصية ويحفظها، ولكنها تذكرة لي وله، لعلنا نعمل بها، إنها وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين جاء إليه رجل فقال: أوصني. قال: لا تغضب. فردد مرارًا، قال: لا تغضب.
وهي وصية وجيزة جامعة لخصال الخير، أن لا يغضب، فلما ردد المسألة عليه مرارًا، ردد عليه الجواب، فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير.
وقد كان لقصر العبارة ما جعل السائل يردد المسألة، ظنا منه أنها لا تكفي، فقد نظر إلى منطوقها، ولم يتأمل مضمونها، وقد جاء عنه أنه قال: ففكرت فيما قال صلى الله عليه وسلم، فإذا الغضب يجمع الشر كله.
والغضب رأس البطش ودافعه، وسبب من أعظم أسباب الظلم والطغيان، ربما سفك الدم الحرام، ربما جر المرء إلى الاعتداء، وكم رمل الغضب من النساء، وكم يتم من الأطفال، وكم أدى إلى تشتت أسر، وفرق بين الأحبة، وقطع أواصر صلة الأرحام، وكم، وكم، وكم، حتى وإن عاد صاحبه فعض أصابع الندم، فما ينفعه الندم ، بل زاد من حسرته، وضاعف عليه الألم.
وفي القبور من ضحايا الغضب كثير جدا، إما بسبب غضب أدى إلى إزهاق نفس، ثم تبع ذلك القصاص، أو الحد، أو قتل الغضب صاحبه بجلطة أو نوبة قلبية، أو في الدماغ، فكم رفع الغضب من ضغط المرء حتى أهلكه، أو رفع داء السكري عنده، فأفقده بصره، أو شل له جزءا من جسمه.
فتأمل الغضب تجد أثره على الفرد والأسرة والمجتمع، وعلى النفس وعلى الأمن، وعلى الاقتصاد أيضا، فحق هو جماع الشر كله، فلو ترك المرء الغضب تجنب كل مساوئه الذميمة.
والمراد من النهي عن الغضب تجنب أسبابه، وأهم أسبابه الكِبر، فيوطن نفسه على الصبر، ويلجمها بالحلم حين يعتريها ما يوجبه، فيكظم غيظها.
وقد قيل في معنى الغضب أقوال لأهل العلم، يكفينا منها تبيين النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. نسأل الله أن يرزقنا كلمة الحق في الرضا والغضب. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2062648]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]